طرحت خلال "منتدى الدوحة" العاشر، في بداية هذا الشهر، عدة آراء ومقاربات، من مناطق دولية مختلفة وتجارب سياسية متنوعة، حول التحول الديمقراطي في العالم، وكان الرأي القادم من كوستاريكا يتلخص في أن الديمقراطية تبدأ عبر الانتخابات الحرة والنزاهة والشفافية، وأنها نظام حكم يتداخل مع الأنماط الثقافية وحكم الأغلبية الذي يحترم الأقليات ويضمن قيم الشفافية والحريات ودولة القانون. وتمثل النموذج الإفريقي في مداخلة رئيس تنزاني أسبق وعضو "نادي مدريد" الذي رأى أن الأمن الإنساني يجب أن يكون ضمن القانون الذي يضمنه مناخ ديمقراطي، وأن هنالك تحديّاً في إفريقيا حيث تواجه الديمقراطية عوائق ومطبات مثل التنوع العرقي الذي قد يقود إلى صراعات إثنية كما حصل في رواندا، وكذلك الاستحواذ على المياه والتنافس عليها، وقد أوجد ذلك صراعات قبلية وحكومية كما هو الحال مع منابع وروافد نهر النيل. ورأى أن منظمات المجتمع المدني التي تموّل من جهات خارجية تسبب قلاقل في المجتمع الإفريقي. وكانت هنالك رؤية كندية دعت إلى وجود إطار للتفاهم حول الديمقراطية، وتتمثل أركان هذا الإطار في الآتي: - المشاركة: الصوت، الحوار، النقاش، حرية التعبير، حل المشكلات على الطاولة. - المحاسبة: وأن نضمن من خلالها تطبيق القوانين وحل النزاعات. - العدالة: أن نقر بالاختلافات الثقافية وأن هنالك مدخلات متساوية للخدمات والبرامج وردم الهوة بين الأغنياء والفقراء. - الأداء: ويتم عبره تشكيل البرامج للناس. - الاتجاه: وهو رؤية للمستقبل وتحديد المسار الديمقراطي. ونبهت الرؤية الكندية أيضاً إلى أهمية وجود ميثاق اجتماعي للأمن. وأما الرؤية الموريتانية فقد كانت عبر وزير خارجية سابق لموريتانيا وتتلخص في حق الناس في الأمن الإنساني، ويرى أن نشاط المجتمع المدني بعد أحداث 11 سبتمبر قد تراجع! وأن المصطلح العربي للمجتمع المدني لا يُفهم على حقيقته. وأن التعامل مع الدولة ينبغي ألا يتمأسسَ على شكل رومانسي، بل على شكل موضوعي. وتناول النموذج الإسباني التحول الديمقراطي بعد حكم "فرانكو"، واعتمد قاعدة المعلومات الاجتماعية أي ماذا يريد الناس؟ كيف يكون التعليم؟ وما هو رأي الطلبة والمجتمع في التعليم، وكيف تكون الخدمات الطبية؟ وكيف تتوجه البحوث؟ من جهة أخرى رأى المتحدث باسم النموذج الباكستاني أن الولايات المتحدة التي تشير إلى أنها تدفع بالديمقراطية في العالم؛ نجدها تدعم دولاً غير ديمقراطية وتقف ضد رغبات شعوبها في التحول الديمقراطي. وقال إن الولايات المتحدة تخصص 400 مليون دولار لبحوث وعمليات التحول المدني، في حين تخصص المليارات لإنتاج الأسلحة وتزويد الأنظمة بها. وركز المتحدث الباكستاني أيضاً على أهمية دعم مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب إذا ما أُريد لشمس الديمقراطية أن تشرق على المنطقة. كما أشار إلى أن استيراد الديمقراطية من الخارج لن ينجح (والمثال باكستان والعراق)، ولكن الدعم لابد أن يكون من الداخل عبر التحول السلمي المرن، مثلما حدث في إندونيسيا. وقدم أحد الأكاديميين من جامعة أنقرة النموذج التركي، مركزاً على الطرق البحثية في التحول الديمقراطي، وكيفية صياغة الاستبانات وتحليلها. وتساءل: هل المتجاوبون مع البحوث يفهمون الأسئلة؟ هل لديهم رأي محدد بخصوص الديمقراطية؟ وكان له رأي مخالف فيما يتعلق بنظام الحكم؛ يقول: "كل الناس يريدون الديمقراطية، ولكن أحياناً لابد من وجود رئيس قوي لا ينشغل بأمور التحول الديمقراطي ولا الانتخابات". وجاء بمثال فيتنام حيث يريد الشعب الفيتنامي الديمقراطية ولكنه يريد أيضاً حكماً عسكريّاً قويّاً! ورأى أن الديمقراطية قد لا تحل كل المشاكل. وعلينا أن نكون واقعيين في أحكامنا، وخاصة أن الدرس العراقي كان واضحاً، فلقد دخل الأميركيون العراق وقالوا للناس: هنا ديمقراطية.. أنتم أيها العراقيون ديمقراطيون! لكن ذلك لم يحدث! وطرح السفير عبدالله بشارة الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي ملامح التجربة الديمقراطية في الكويت! مشيراً إلى أن أهل الخليج مذهولون من ديمقراطية الكويت، وأعاد ذاك الذهول إلى وجود دستور الكويت الذي حوى قيماً أوروبية مثل: تقرير المصير، فصل السلطات، المساءلة والشفافية. وقال إن هذه أفكار غريبة على دول الخليج ولكنها واردة في دستور الكويت. وقد اختلفنا مع السفير بشارة حول قضية المساءلة وحرية الصحافة! حيث توجد مؤشرات تتقاطع مع طرح السفير بشارة، إذ أن كثرة الصحف أو الفضائيات لا تعني بالضرورة وجود مناخ من الحرية قوي! بل إن ذلك يهيئ فقط الأجواء لطرح جميع وجهات النظر بلاشك! ولكن تبقى التدخلات محل تساؤل! ورأى السفير بشارة أن دول الخليج تعتمد على مقاربة حذرة، وترغب في التوصل إلى النموذج الكويتي. وخلص إلى أننا "تربينا على سخاء حكوماتنا، وهي تقدم الأمور مجاناً، وبسبب هذه الرفاهية لا نسعى إلى كل ما تصبو إليه كل الدول" وخلص إلى أنه "لا تصالح بين دولة الرفاه والديمقراطية "! ونحن نعتقد أن دول الرفاه قد لا تساهم في التحول الديمقراطي، لأنها تعلم الفرد على منظومة قيم قد تتعارض مع قيم الديمقراطية، مثل: 1- الاصطفاف العشائري والولاء أحياناً للعشيرة دون الولاء لكامل الوطن، وكذلك انشغال الناس بالقيم الاستهلاكية وتوفير مستلزمات الحياة (الدعة) مجاناً. 2- الاتكالية والشعور بالأنا.. دونما تحسس لقضايا المواطنين الآخرين، أو التحدث باسم الوطن الواحد. مع إهمال الأفراد الذين يسكنون (الأطراف). ذلك أن السكنى -غير الفيزيائي- داخل (المركز) قد يمنح الساكنين حظوظاً قد لا تصل إلى ساكني (الأطراف)، وبالتالي لا تتحقق الوحدة الوطنية. 3- عدم الانتصار لقيم الديمقراطية التي يربطها البعض بمنبعها الغربي! أي أنها من أفعال "الشيطان" وقد تتعارض مع الدين! وهذا قد يُضعف من دور منظمات المجتمع المدني التي تسعى لخدمة الصالح العام. وقد طرحنا خلال المنتدى مجموعة من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات شافية؛ مثل: هل يحتاج المجتمع الغني إلى الديمقراطية والأمن الإنساني؟ هل تعيق الثروة عملية التحول الديمقراطي؟ هل تقتل الثروةُ الديمقراطية؟ وأخيراً.. هل الديمقراطية أمٌ للفقراء -كما هو الحال في الهند- فيما الثروة هي الوالدان الحنونان للمجتمعات الغنية؟ تلك مجموعة من الأسئلة التي ظلت دون إجابة في ورشة عمل "الأمن الإنساني" ضمن ورشات عمل "المؤسسة العربية للديمقراطية" التي عقدت خلال "منتدى الدوحة".