يصعب تذكر وقت كانت فيه العلاقات بين الرئيس الأميركي والدولة الإسرائيلية أسوأ مما هي عليه الآن. فقد أظهر الهجوم الشرس الذي شنه الجنود الإسرائيليون على "أسطول الحرية" مدى الضغوط التي يتعرض لها الرئيس الأميركي، بسبب علاقاته المتوترة أصلاً مع الحكومة الإسرائيلية، إضافة إلى الضغوط التي يتعرض لها من قبل اليهود اليمينيين الأميركيين الغاضبين. وعليه فقد كانت إدارة أوباما تدرك سلفاً مدى التوتر الذي أصاب علاقتها بتل أبيب، حتى قبل وقت سابق لحادثة الهجوم على الإسرائيلي على "أسطول الحرية" مؤخراً. وبسبب مخاوف الإدارة من تعمق الصدع القائم بينها وبين الناخبين اليهود، إضافة إلى الخلافات القائمة بشأن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في أراضي مدينة القدس، فقد جاءت استجابتها لحادثة الاعتداء على "أسطول الحرية" متحفظة وهادئة نوعاً ما. وفي المقابل نظر الجزء الغالب من العالم إلى ما حدث لتلك السفينة التي كانت في طريقها حاملة مواد الإغاثة الإنسانية إلى سكان غزة، على أنه بمثابة حملة إساءة ذاتية إلى صورة إسرائيل الدولية جرت فوق سطح مياه غزة. بيد أن تردد أوباما إزاء شجب ما حدث لن يساعد كثيراً علاقاته المتردية مع التيار اليميني من اليهود الأميركيين. فقد حدثني أحد أصدقاء إسرائيل المقربين هنا في واشنطن -وأعتذر عن ذكر اسمه لأنه يعمل في إحدى كبريات وسائل الإعلام الأميركية- أن اليهود غاضبون جدّاً بسبب الانتقادات السابقة التي وجهها أوباما لإسرائيل. واستطرد محدثي قائلاً: "لن نغفر لإدارة أوباما مطلقاً قولها إن أميركا تدفع من مالها ودمها لتمويل استمرار النزاع الشرق أوسطي"! وأوضح المتحدث أن أوباما حمل إسرائيل ضمناً المسؤولية عن استمرار كراهية العرب للولايات المتحدة، ومسؤولية تنامي ظاهرة الإرهاب أيضاً. وهكذا ينضم البيت الأبيض إلى معسكر العداء التقليدي للسامية، الذي يحمل اليهود وزر كافة الحروب الدائرة في العالم! يقول محدثي. وقبل ذلك كان عدد من وجوه اليمين اليهودي قد أعربوا عن غضبهم من غزل إدارة أوباما مع فكرة شرق أوسط خال من الأسلحة النووية. واتهمه بعضهم بأنه يحاول نزع أسلحة إسرائيل النووية وتجريدها من وسيلتها الدفاعية الرئيسية. غير أن هناك هجوماً أشد عنفاً على أوباما لا تقارن معه مثل هذه التعليقات والانتقادات. فعلى سبيل المثال وصف هاجاي بن أرتزي، صهر نتنياهو، الرئيس أوباما بأنه "عدو للسامية". وقد جاء ذلك خلال حديثه في أحد البرامج التلفزيونية الإسرائيلية. والمسكوت عنه في كل هذه الانتقادات بالطبع هو الافتراض الضمني الواهم بـ"وجوب" أن تعكس سياسات واشنطن الخارجية العقيدة الإسرائيلية بحذافيرها، وأن تحذو حذو مواقف وتكتيكات رئيس الوزراء الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط. ومن وجهة نظر تل أبيب فإن هذا الانعكاس ينبغي ألا ينظر إليه على أنه أمر يفوق التوقع أو الواقعية بأي حال. ولكن المعضلة هي أن لأوباما رؤية تختلف اختلافاً جوهريّاً عن تلك التي يحملها اليمين الإسرائيلي والرئيس السابق بوش. فعلى الأقل يحمد لأوباما حديثه عن الشرق الأوسط وإظهار اهتمام واضح به منذ اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض. كما تشير الرسالة التي ظل يوجهها إلى جميع الأطراف، أنه ليس مقتنعاً باستمرار الوضع القائم الآن. فهناك ثلاثة اتجاهات رئيسية تعمل ضد إسرائيل، فهناك العامل الديموغرافي، بمعنى تزايد الكثافة السكانية العربية مقارنة بمعدل نمو الكثافة السكانية اليهودية. ثم هناك الأيديولوجية المتطرفة. أما العامل الثالث والأخير الذي لا يخدم إسرائيل فيتلخص في التكنولوجيا. وعن هذا حدثني أحد المستشارين المقربين إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أنه لم يعد هنالك مجال لاستمرار نمط التفكير القديم، في فرض التفوق، مع تطور قدرة الصواريخ على قطع مسافات أبعد. يجدر بالذكر أن الصحفي الإسرائيلي المخضرم جيرولد كيسل دافع عن موقف أوباما بقوله: "إن الطرف المخطئ هو إسرائيل وليس أوباما. ذلك أنه يتعين على نتنياهو أن يخطو نحو إيجاد حل عادل للصراع يستجيب للحقوق الفلسطينية. وفي الوقت نفسه يتعين على أوباما أن يقنع إسرائيل واليهود بأن واشنطن ستعمل على تحييد المهدد الأمني الإيراني". وقبل حادثة الهجوم المأساوي على "أسطول الحرية"، كان يبدو كما لو أن أوباما يوشك على أن تكون له يد رافعة على نتنياهو. غير أن المشكلة التي يواجهها حاليّاً هي ضيق مساحة المناورة الدبلوماسية المتاحة له، في ظل الانتقادات والشجب الدوليين لحادثة الاعتداء هذه. وسيكون خطأً فادحاً فيما لو اعتقد أوباما أن إسرائيل ستصبح شاكرة له على مجرد صمته هذا عن شجب ما حدث في عرض بحر غزة مؤخراً. ففي وسع المرء أن يتصور أيضاً مدى شراسة الحملات المناوئة لأوباما من داخل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقد خبرت شراسة هذه الحملات بنفسي خلال ولاية نتنياهو الأولى. حينها كان سكرتيره الصحفي "ديفيد بار إيلان" قد نظم حملة قوية جداً كان هدفها تسريحي من عملي بصفتي رئيس تحرير لمكتب شبكة "سي. إن. إن" في إسرائيل. والسبب -كما أخبرني أحد موظفي نتنياهو- هو فشل حكومته في تركيعي! عندها حدثني توم جونسون، رئيس شبكة "سي. إن. إن" قائلاً: "السيد والت، لقد ظللنا نتلقى نحو 500 رسالة إلكترونية وعادية، إضافة إلى مئات المكالمات يومياً لمدة ستة شهور متواصلة، تطالبنا جميعها بتسريحك والتخلص منك"! وقد وصف إيهود باراك، الذي هزم نتنياهو انتخابيّاً ونحاه من منصبه عبر صناديق الاقتراع، تلك الحملة الإعلامية التي نظمها ضدي نتنياهو بالمخجلة. ولكم أن تتصوروا كم تكون حملة من هذا القبيل شرسة الآن ضد أوباما وإدارته! ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"