ما أن صدر حكم المحكمة الإدارية العليا أخيراً، بإسقاط الجنسية المصرية عن المصريين المتزوجين من إسرائيليات، حتى انقسم المعلقون بين منحاز إلى منطوق الحكم الذي اعتمد على حماية الأمن القومي المصري وبين دعاة حقوق الإنسان. رأى الفريق الأول أن الحكم جاء ليسدد ضربة قانونية إلى التطبيع والشبان الذين يتجاسرون على السفر إلى إسرائيل طلباً للعمل ومن ثم يتزوجون هناك، كما رأى هذا الفريق أن إسقاط الجنسية سيحمي مصر مستقبلاً من حصول أبناء هؤلاء المصريين على الجنسية المصرية باعتبارها جنسية الأب. هذا في حين رأى الفريق الثاني، أن هذا الحكم فيه مبالغة حيث إن الجواسيس الذين قبضت عليهم السلطات المصرية واعدمتهم، لم تسقط عنهم الجنسية ولا عن أبنائهم. قبل صدور الحكم بأسبوعين أبديت رأيي في الموضوع في إطار حوار صحفي أجرته معي صحيفة "الوفد" ونشر في 2010/5/20، وفي تقديري أن هذا الرأي هو الذي انحازت إليه المحكمة في حكمها عندما طالب مجلس الوزراء يفحص كل حالة على حدة، وأن يضع في اعتباره عند الفحص، أن المركز القانوني للمتزوجين من إسرائيليات يهوديات يختلف عن المركز القانوني للمتزوجين من فلسطينيات عرب 1948. لقد طالبت قبل صدور الحكم بالالتفات إلى أن الشبان المصريين يتزوجون في غالبيتهم العظمى من هؤلاء الفلسطينيات الحاصلات على الجنسية الإسرائيلية نتيجة لصمودهن مع أهلن على الأرض منذ اثنتين وستين سنة وحتى اليوم، موجهاً الأنظار إلى أن هذه الشريحة من عرب فلسطين تمثل رهاننا الأساسي على عروبة جزء من الأرض المحتلة عام 1948، وموجهاً النقد للمعلقين الذين يدينون الشبان المصريين لزواجهم من هؤلاء الفلسطينيات حيث اعتبرت أن هؤلاء المعلقين لديهم عبودية تجاه الشكل وهو الجنسية، وأنهم لا يلتفتون إلى المضمون، وهو كون هذه الزيجات مع عربيات من أسر عربية لا تؤمن بالصهيونية، ولا يخضع أبناؤها للتجنيد في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولن يحاربوا العرب، لأن إسرائيل تشك في ولائهم ولا يتم تجنيدهم. لقد اتجه الحوار بعد ذلك إلى التساؤل عن الدوافع، التي تدفع الشباب إلى السفر أصلاً إلى إسرائيل، وبالطبع كانت إجابتي صريحة في قولي سوء إدارة الاقتصاد المصري، لأننا لا نخلق فرص عمل جيدة لشبابنا، وإذا حدث فالأجور ضعيفة جداً، فهناك خلل جوهري، يدفع الشباب إلى الهجرة إلى إسرائيل وغيرها. على أي حال، فإن الزواج من فلسطينيات عرب 1948 أفضل كثيراً لمعايير الأمن القومي المصري والعربي على حد سواء من الزواج من خلف البحار. ذلك أن هذه الزيجات ستفعل فعلها الأكيد في تثبيت عروبة هؤلاء العرب، الذين يقاومون بكل الوسائل السلمية للحفاظ على هويتهم العربية، ويثبتون كل يوم أنهم حريصون على وحدة الشعب الفلسطيني وحريته أياً كانت مواطنه الحالية. إن رؤيتنا يجب أن تتسم بالواقعية البناءة في هذه الظروف القاهرة المفروضة على عرب 1948، والمفروضة على الشبان المصريين، والتي تدفعهم إلى الارتحال. وهو ما يتطلب أن نحول هاتين الحالتين المفروضتين على واقعنا، إلى فرصتين لتثبيت عروبة فلسطين وإذكاء روح العروبة في هؤلاء الشبان المصريين وأبنائهم، هكذا يجب من وجهة نظري، أن نتصرف لتحويل المشكلات الضاغطة إلى فرص واعدة لمصالحنا العربية. د. إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية - جامعة عين شمس