احتفالاً بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الهند والصين، زارت الرئيسة الهندية "باراتيبا باتيل" الصين في ظل محاولات بذلها الطرفان لخلق مناخ إيجابي بين البلدين. وعلى رغم وجود الكثير من القضايا الخلافية بين عاصمتي البلدين، فإن هناك جهداًً مقدراً في الحد من أزمة الثقة بينهما. أثناء لقائها بنظيرها الصيني هو جينتاو، ورئيس الوزراء الصيني وين جيابو، أكدت "باتيل" على ضرورة تعزيز الشراكة الاستراتيجية الهندية-الصينية. ولم يقتصر الهدف من هذا اللقاء الرفيع المستوى بين الجانبين على تأكيد التواصل المستمر بين قيادتي البلدين بهدف مراجعة التقدم الذي أحرز في علاقات بلديهما فحسب، بل قصد منه كذلك إزالة مخاوف الطرفين في عدد من القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية. ومن بينها استمرار تدفق مياه نهر براهامبوترا الذي ينبع من هضبة التبت. يذكر أن الهند ظلت على قلقها منذ مدة طويلة من أن تخطط بكين لإنشاء سد مياه عملاق في مجرى النهر من منبعه في هضبة التبت، ما يؤثر سلباً على تدفق مياه النهر إلى الأراضي الهندية. لكن ومنذ زيارة وزير الخارجية الهندي "إس. إم. كريشنا" إلى الصين الشهر الماضي، أوضحت بكين أن مشروع السد المائي المقترح صغير جداً، ولن يكون له أي تأثير على تدفق مياه النهر إلى الهند. ومن جانبها، اعتبرت نيودلهي ذلك التوضيح مؤشراً جيداً على حسن نوايا بكين وحرصها على تحسين العلاقات الثنائية بينها والهند. ومن بين الجوانب الإيجابية التي تركت أثراً واضحاً على العلاقات الثنائية بين البلدين، إدراك بكين لإمكانية التعاون بينها ونيودلهي على عدد من القضايا الدولية، بما يخدم مصلحة البلدين معاً. وقد أوضح الرئيس الصيني هو جنتاو أثناء اتصالاته بنظيرته الهندية بقوله إنه ينبغي على الجانبين استثمار العلاقات الثنائية والتعددية الدولية من أجل تعزيز التعاون والتنسيق الوثيق بينهما. وقد جاءت هذه التعليقات على إثر مفاوضات قمة التغير المناخي التي عقدت في كوبنهاجن، حيث أسفر التنسيق بين نيودلهي وبكين عن تشكيل موقف الدول النامية من القضايا المطروحة في تلك القمة العالمية. وقد أظهرت تلك القمة إمكانية التنسيق بين مواقف الهند والصين بهدف الدفاع عن مصالحهما في الساحة الدولية، فضلاً عن قدرتهما على قيادة مواقف الدول النامية. ومن الواضح الآن أنه في الإمكان توسيع هذا التنسيق ليشمل التعاون بينهما في مجالات أخرى عديدة. هذا ويعد التبادل التجاري الدافع الرئيسي لهذه العلاقات الثنائية، مع العلم أن التجارة قد حققت نمواً كبيراً بين نيودلهي وبكين. وعليه فإن من الطبيعي أن يكون الجانب الاقتصادي أحد أهم أهداف زيارة الرئيسة الهندية إلى بكين. وبالفعل زارت الآنسة "باتيل" الجناح الهندي بمعرض إكسبو شنغهاي، حيث خاطبت لقاءً استثمارياً هناك. وخلال الزيارة نفسها وافقت الحكومة الهندية على إنشاء جناح تجاري هندي مستقل في بكين. وقد اتخذ هذا القرار على خلفية الاعتراف بتزايد ونمو علاقات التبادل التجاري الاقتصادي بين الهند والصين. ولهذه الخطوة أهمية كبيرة في واقع الأمر، لكونها تعزز الفرص التفاوضية للهند، فضلاً عن دورها في تحسين علاقات التبادل التجاري الاقتصادي بين البلدين. كما يتوقع لهذا الجناح التجاري الهندي أن يتولى مسؤولية تنسيق مواقف الهند والصين في القضايا الدولية ذات الصلة بمسائل الاقتصاد الكلي، ومجموعة الـ20، والاستثمار الأجنبي، والاقتراض الثنائي والتعددي، وتطوير القطاع المالي في كل من الهند والصين. ولكن لا بد من القول إن التجارة نفسها لا تخلو من بعض القضايا الخلافية بين عاصمتي البلدين. وأحد هذه القضايا المثيرة لهواجس الهند، انعدام التوازن التجاري بين البلدين، خاصة مع التنامي الملحوظ للتبادل التجاري بينهما. يذكر أن التجارة بين الهند والصين حققت قفزة كبيرة من مليار دولار في عام 2001 إلى 52 مليار دولار في عام 2008. غير أن اللاتوازن التجاري بين البلدين حقق هو الآخر نمواً مماثلاً. من جانبها أعربت بكين عن عزمها على التصدي لهذه القضية. ومما لا شك فيه أن العلاقات الصينية-الهندية تتسم بقدر كبير من التعقيد. ولا تخلو هذه التعقيدات من وجود عنصر مجهول في هذه العلاقات. نذكر منها على سبيل المثال إصدار تأشيرات الدخول على أوراق منفصلة. فقد اكتشفت السلطات في نيودلهي مؤخراً أن بكين – التي تعد حليفاً مقرباً للهند- قامت بإصدار تأشيرات دخول على أوراق منفصلة – بدلاً من ختمها على جوازات المسافرين إليها من إقليم كشمير الباكستاني-. في استجابة رافضة منها لهذا الإجراء، أعلنت سلطات الجوازات والهجرة في نيودلهي عدم اعترافها بإصدار التأشيرات على أوراق منفصلة، ومنعت مواطنيها من السفر إلى الصين بهذا النوع من التأشيرات. كما أعلنت نيودلهي رفضها لقيام الصين بإدارة وتمويل وتنفيذ مشروعات تنموية في الجانب الباكستاني من إقليم كشمير. وقد بني هذا الاعتراض على اعتقاد نيودلهي بتبعية الإقليم كله لأراضيها. وليست هذه سوى بعض القضايا الخلافية المثيرة للتوترات بين نيودلهي وبكين. بيد أن القيادات في كلتا العاصمتين تواصل بذلها من الجهود ما يحول دون تصدع العلاقات بينهما بسبب هذه القضايا الخلافية. ولإدراك هذه القيادات في نيودلهي وبكين لحقيقة أن اقتصادي بلديهما يمثلان نموذجاً صاعداً لاقتصادات الدول النامية عالمياً، فهي تبدي حرصاً على توسيع نظرة بلديهما إلى أهمية العلاقات الثنائية بينهما، وعدم السماح لهذه الشراكة الثنائية بأن تغفل المصالح المشتركة الكبيرة بسبب مسائل خلافية ثانوية بينهما. ولا تقتصر أهمية الهند والصين على الساحة الإقليمية وحدها، بل إن في وسعهما معاً أن تكونا قوة دولية لها مساهمتها ودورها في الاستقرار العالمي. وهذا ما يلزمهما بالنمو السلمي الثنائي، وتبادل الاحترام وعلاقات التسامح بينهما.