------------------ على أوباما أن يبرهن أنه كان يعني ما يقول، وإلا فسيؤكد وساوس المتشككين في المنطقة حول التزام أميركا بنشر قيم العدل والحرية ---------------------------------- قبل عام من الآن، أعلن الرئيس أوباما أمام الجمهور الذي خاطبه في جامعة القاهرة أنه جاء إلى هنا بحثاً عن علاقات جديدة بين بلاده والمسلمين في مختلف أنحاء العالم. وفي خطاب مفاجئ تضمن استشهادات قرآنية عديدة، وتمكن من مخاطبة العرب والمسلمين الذين فاض بهم الكيل من سياسات أميركا الخارجية، تناول أوباما قضايا العراق وأفغانستان والديمقراطية، إلى جانب استغلاله الفرصة للاعتراف بضرورة حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد ساد الاعتقاد بنجاح ذلك الخطاب. فبعد مضي أربعة شهور عليه، أظهرت نتائج استطلاع للرأي العام أجرتها "مؤسسة جالوب" أن أغلبية المستطلعين في الجزائر والأردن والسعودية وفلسطين والمغرب وتونس والبحرين، قالوا إن العلاقات بين بلادهم والولايات المتحدة قد تحسنت. وأهم من ذلك، انحسار موجة الغضب التي عمت البلدان العربية والإسلامية إزاء أميركا في ظل إدارة بوش السابقة. بيد أن المحافظة على هذه المشاعر الإيجابية تتطلب أكثر من مجرد الإعجاب الشخصي بأوباما، أو مجرد الارتياح لذهاب إدارة بوش. فلابد من تحقيق تقدم ملموس في عدد من القضايا الإقليمية المعقدة. وهنا يكمن ضعف الأداء حتى الآن. فلا ريب أن المعضلة الأفغانية سوف تمتد طويلا. ذلك أن نفوذ "طالبان" يبدو متصاعداً، بينما تتراوح علاقات واشنطن بالرئيس كرزاي بين شد وجذب. وإلى ذلك يبقى مصير أفغانستان مجهولاً بسبب حاجتها إلى بناء الأمة وافتقارها حتى الآن لحكومة مركزية قوية. كما لم تحقق السياسات التي انتهجتها إدارة أوباما الجديدة إزاء إيران نجاحاً يذكر، سواء ما يتعلق منها بالعراق أم لبنان أم بالبرنامج النووي الإيراني. وفي الوقت نفسه تصاعدت الضغوط داخل الكونجرس للمطالبة بتبني سياسات أشد حزماً إزاء طهران، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، بينما لا تزال سياسات الإدارة تتمحور حول الحل الدبلوماسي، بما في ذلك العقوبات الدولية الإضافية على طهران. بيد أن العامل الرئيسي الحاسم في تحديد العلاقات بين واشنطن والعالم الإسلامي لا صلة له بأي من هذه القضايا المذكورة، بل هو النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي هذه المسألة بالذات كان خطاب أوباما في القاهرة شديد الوضوح والإبانة. ذلك أنه أكد أن الحل الوحيد لهذا النزاع هو تلبية تطلعات كلا الشعبين، الفلسطيني والإسرائيلي، عبر حل الدولتين المستقلتين المتجاورتين المتعايشتين في سلم وأمان إلى جنب بعضهما بعضاً. كما اعترف أوباما بالإهانة اليومية التي يمثلها الاحتلال للفلسطينيين، واتخذ موقفاً قوياً معارضاً لسياسات التوسع الاستيطاني الإسرائيلي. واختتم حديثه في هذا الصدد بالقول: "لن تدير الولايات المتحدة ظهرها مطلقاً لتطلعات الفلسطينيين المشروعة، إلى الكرامة والفرص وإقامة دولتهم المستقلة". وهذه عبارات ملهمة ونبيلة دون شك. بيد أن مصداقية إدارة أوباما قد تراجعت في التصدي لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني منذ يونيو الماضي تحديداً. والسبب هو أنه لم تترتب أية عواقب على إسرائيل جراء رفضها تجميد أنشطتها الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، ومضيها في توسيع هذه الأنشطة، ضاربة بذلك عرض الحائط بمطالبة الرئيس أوباما لها بالكف عن هذه الممارسات. وخلال الأسبوع الماضي جاءت استجابة الولايات المتحدة باهتة جداً لقتل إسرائيل تسعة على الأقل من ركاب أسطول الحرية المتجه إلى قطاع غزة المحاصر. ومع استمرار هذه السياسات الإسرائيلية السائدة الآن، فإن هناك فرصة ضئيلة للغاية لنجاح المفاوضات غير المباشرة التي تسعى واشنطن بواسطتها إلى تحقيق حل الدولتين. وفيما لو فشلت هذه المفاوضات، فمن شأن ذلك أن يقلل كثيراً من مصداقية أوباما إزاء العالم الإسلامي. ولكل هذه الأسباب فإنه يتعين على أوباما اتخاذ مواقف سياسية واضحة يؤمّن بموجبها توفر المعايير الأساسية المتعلقة بهذه المفاوضات. وعليه أن يعلن تأييده لما هو بديهي في نظر الكثيرين في المنطقة لما يجب أن يكون عليه حل النزاع التاريخي بين الطرفين. وأول هذه المعايير أن يكون الخط الحدودي لما قبل عام 1967 خطاً حدودياً فاصلاً بين دولتي إسرائيل وفلسطين، وألا تحدث أي تغييرات جذرية تذكر على هذا الخط، مع ضرورة اتفاق الطرفين على حيازة الأراضي بينهما. ويتعلق المعيار الثاني بالترتيبات الأمنية التي يتعين عليها توفير الضمانات لعدم تعرض أي من الطرفين للهجمات أو التهديد بها، أو تعرض أي منهما لهجمات مفاجئة من طرف ثالث خارجي. فالأمن ليس مسألة يمكن تجاهلها، ولا جعلها مبرراً لاستمرار الاحتلال. ثالثاًَ: يجب أن تكون القدس عاصمة مشتركة لإسرائيل وفلسطين وأن تتمتع كلتاهما بحقوق سيادية فيها. ما يوجب الاتفاق على ترتيبات تعاون خاص بين الطرفين فيما يتعلق بالمواقع الدينية، وفي الخدمات البلدية متى ما كان ذلك ضرورياً. رابعاً: التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بما يتفق وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. ويذكر أن ذلك القرار طالب بعودة اللاجئين إلى ديارهم، بيد أن القمة العربية المنعقدة في عام 2002، أضافت كلمة "الاتفاق على" حتى يظل باب التعاون مفتوحاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين في هذا الشأن. وبعد مرور عام على خطاب القاهرة، فإنه يتعين على أوباما أن يبرهن أنه كان يعني ما يقول، وإلا فهو يخاطر بأن يكون الرئيس الأميركي الذي قبر في إدارته حل الدولتين، والرئيس الذي أكد وساوس المتشككين في المنطقة حول التزام أميركا بنشر قيم العدل والحرية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نبيل فهمي عميد مدرسة الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وسفير مصر سابقاً لدى واشنطن (1999-2008) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشونال"