يقول "بشارات بير"، مؤلف كتاب "ليلة ممنوع فيها التجول... مذكرات من الخط الأول للحياة والحب والحرب في كشمير"، إنه عندما كان يدخل أي مكتبة عامة أثناء دراسته في جامعة نيودلهي، كان يشعر بالخجل، لأنه كان يجد كتباً لمؤلفين متنوعين عن الصراعات والحروب في كافة أنحاء العالم، لكنه لم يكن يجد شيئاً عن وطنه كشمير. ويقول إن ذلك الشعور دفعه لتأليف هذا الكتاب الذي حاول فيه إخراج المسألة الكشميرية من دائرة الخطاب السائد حول النزاع الهندي الباكستاني ليتناول حياة الكشميريين أنفسهم وما يعانونه. وكان في الثالثة عشرة من عمره، عندما أطلقت القوات الهندية النار على المتظاهرين الكشميريين المطالبين باستقلال الإقليم وأنه قرر حينئذ شن حربه الخاصة. وقد شعر "بشارات" بالإحباط الشديد عندما رفض أحد مسؤولي "جبهة تحرير جامو وكشمير" طلبه الانضمام للجبهة بسبب صغر سنه وضآلة جسمه. ويحرص المؤلف على ذكر العبارة التي قالها له والده أثناء محاولته إقناعه بضرورة التعليم وهي "أن الثورات عادة ما يقودها المتعلمون". ويقول المؤلف إن السبب في حرص العائلات الكشميرية على إرسال أبنائها للدراسة في الخارج هو الخطر الذي يتعرضون له في وادي كشمير -ويتعرض له معظم السكان بدرجات متفاوتة- حيث كانوا يواجهون أثناء ذهابهم لمدارسهم مخاطر منها التعرض لرصاصة طائشة، أو حتى خطر الدخول في حقل ألغام، أو الدخول في مواجهات غير مأمونة العاقبة بسبب استفزازات الجنود الهنود ومعاملتهم المهينة للكشميريين كما يقول. غير أن وصوله إلى نيودلهي، وانخراطه في الدراسة، ثم عمله كمراسل صحفي، لم يكن يعني أبداً أنه قد أصبح بعيدا عن كشمير، فكشمير لم تغب عن ذهنه لحظة واحدة خلال سنوات الدراسة التي تخللتها فتراتٌ عمل فيها كمخبر صحفي محترف. وبمجرد انتهاء دراسته قرر العودة إلى كشمير، لكن هذه المرة كخريج جامعي ومحرر صحفي محترم وملم بتفاصيل القضية الكشميرية. ومن أبرز مزايا هذا الكتاب مزجه المذكرات بالتحقيقات الصحفية، ما يجعله كتابا ليس عن "بشارات بير" وتجربته فحسب، وإنما عن تجارب الآخرين الذين أجرى لقاءات معهم في كشمير كشف خلالها كل منهم عن معاناته الشخصية مما ساهم في إثراء الكتاب بالعديد من التفاصيل التي تكشف الكثير من ملامح ذلك الصراع وخفاياه. لم يكن من السهل أن يحكي المؤلف قصص هؤلاء الذين التقى بهم دون أن يصدم مشاعر القراء، لكنه فعل ذلك بحرفية تكشف عن موهبته في التحقيق الصحفي. من تلك القصص مثلا قصة أعمال التعذيب المروعة التي كانت تجرى في معسكر الاعتقال الشهير "بابا-2" الذي أُغلق بعد الكشف عما كان يرتكب داخله من انتهاكات بحق الكشميريين. كما يحكي المؤلف عن العديد من الفظائع والانتهاكات الأخرى، ومنها الجريمة التي شهدتها قرية "كونان بوشبورا" التي عرفت تخريباً وفساداً ونهباً، كما تعرض رجالها للضرب ونساؤها للاغتصاب. ويذكر المؤلف كيف أصر على الذهاب بنفسه إلى القرية وعدم الاكتفاء بما سمعه عنها من الغير. كما يحكي عن الدمار الذي خلفته المواجهات بين الهنود والكشميريين في كل مكان وكيف أن ظروف الحرب حالت بين سكان الإقليم وممارسة حياتهم العادية، وتطوير واديهم الذي ظل متخلفا عن الكثير من الولايات والمدن الهندية، رغم ما يذخر به من إمكانيات. وفي نهاية الكتاب يحكي المؤلف عن تجربته في عبور خط التقسيم أي الخط الفاصل بين القوات الهندية والباكستانية والذي يمثل حدودا طبيعية تشطر كشمير إلى قسمين، ويقول إن هذا الخط "لا يقطع 576 كيلومترا عبر الجبال التي تضم معسكرات الجنود من الجانبين المدججين بالسلاح، وإنما يمر عبر كل شيء كشميري ويقسم الناس إلى كشميريين هنود وكشميريين باكستانيين، ويمر عبر القصص والروايات التي تروى في المقاهي والمنتديات، كما يمر عبر الحوارات التي تجري على شاشة التلفاز، ويمر عبر أحاديث المائدة، ويمر عبر همسات العشاق، ويمر عبر حزننا وغضبنا، مخاوفنا وصمتنا". سعيد كامل ------- الكتاب: ليلة ممنوع فيها التجول... مذكرات من الخط الأول للحياة والحب والحرب في كشمير المؤلف: بشارات بير الناشر: هاربر برس تاريخ النشر: 2010