تحت عنوان "لإنقاذ أميركا... أوقفوا ماكينة أوباما العلمانية الاشتراكية"، كتب المؤلف نويت جنجريتش -رئيس مجلس النواب في ظل إدارة بوش، وأحد أبرز وجوه "المحافظين الجدد" الذين رسموا سياسات الإدارة السابقة- حول مسألة الدفاع عن الحرية الأميركية في وجه التهديد المباشر الذي تتعرض له من قبل إدارة أوباما الحالية، وهي إدارة -حسب رأيه- يسارية علمانية ذات أجندة اشتراكية. وقبل الدخول إلى موضوع الكتاب، يورد المؤلف عدداً من المقتطفات المأثورة المنسوبة إلى جورج واشنطن وصمويل أدامز ورونالد ريجان وغيرهم في معنى الدفاع عن الحرية والقيم الأميركية، تهيئة لجلب القارئ إلى حلبة الدفاع عن الحريات الأميركية المهددة بنظره. من تلك المقتطفات أورد جنجريتش قولاً مأثوراً للأب الروحي المؤسس جورج واشنطن جاء فيه: "إن الحفاظ على شعلة الحرية المقدسة، ومصير نموذج الحكم الجمهوري، قد أودعا أمانة في ذمة الشعب الأميركي". ولا يغيب عن ذهن القارئ الفطن أن مثل هذه الإشارات والاستشهادات إنما قصد استخدامها على هذا النحو لخدمة أهداف الكاتب التي لا تنفصل عن الحملة المنظمة التي يديرها التيار اليميني الأميركي المحافظ ضد إدارة أوباما. وليس كتاب جنجريتش الذي نعرض هنا بعيداً عن حركة حفلة الشاي المناهضة لأوباما، ولا عن مساعي الجمهوريين الرامية إلى قلب موازين العملية السياسية لصالح حزبهم تارة أخرى، بعد الخسائر الانتخابية الماحقة التي لحقت بهم في انتخابات عام 2008. وتجب ملاحظة الاستخدام الذكي المقصود لعبارات جورج واشنطن في سياقها التاريخي العام، بحيث يتم تفصيلها على مقاس الحملة التي يقودها التيار اليميني المحافظ ضد إدارة أوباما الحالية، بما يعطي إيحاءً خفياً وكأن الأب المؤسس جورج واشنطن كان يقف من ذلك الوقت البعيد، مع هذه الحملة الشرسة التي أدلى جنجريتش بدلوه فيها عبر كتابه الحالي، الشبيه من ناحية المحتوى بمؤلفاته الأخرى السابقة. وليس متن الكتاب بمختلف عن ظاهره وعنوانه. فهو خليط من الدعاية والإثارة والاستنتاجات المتسرعة غير المسنودة إلى ما يدعمها من الحقائق، لكونها تعبر عن موقف أيديولوجي مسبق من إدارة أوباما الحالية، أكثر من كونها تحليلاً موضوعياً محايداً لطبيعة الإدارة الجديدة وأهدافها وأجندتها. بذلك فنبرة الكيد السياسي المسبق هي السائدة في الكتاب كله، وليس التحليل العلمي الموضوعي. لنستشهد ببعض الأمثلة مما ورد من استنتاجات وأحكام مسبقة على الإدارة الجديدة في الكتاب: يخطط اليسار الأميركي المتطرف بقيادة أوباما لتحويل أميركا إلى دولة علمانية اشتراكية ضعيفة. فكيف لنا أن نوقف هذه الخطة الشريرة الآن؟ ولأن الكاتب أراد الدق على هذه الفكرة الأيديولوجية المسبقة عن أوباما وإدارته، فهو لم يكلف نفسه مناقشة الأوصاف التي نعت بها الإدارة، بقدر ما هو معني بالقفز مباشرة إلى ما يجب عمله إزاء خطة خطيرة كهذه. وكما نعلم فإن الدعائية الفجة تلجأ إلى تأكيد وتكرار الرسالة الدعائية المراد بثها أكثر من تحليلها ومناقشتها موضوعياً. من ذلك التكرار للفكرة نفسها نقرأ قول جنجريتش مثلاً: كما نعلم، فقد باتت أميركا في مواجهة تهديد وجودي اليوم هو اليسار الذي يتجاهل دروس الماضي ويتجه أكثر من ذي قبل نحو التطرف الأيديولوجي. ويكمل المؤلف استنتاجه هذا بالقول إن اليسار الأميركي يعمل الآن على محاولة فرص جهاز حكم فاسد مستبد على غرار ماكينة شيكاغو السياسية على أميركا كلها. ذلك أن الديمقراطيين الليبراليين الذين يسيطرون الآن على البيت الأبيض والكونجرس بمجلسيه، إضافة إلى عدد كبير من المؤسسات والأجهزة الحكومية، ينتمون إلى أيديولوجية علمانية اشتراكية تتعارض وتاريخ أميركا وتراثها وقيمها. ويصل جنجريتش إلى القول: إن الخطر الذي تواجهه أميركا اليوم، أعظم من أي خطر تخيلته أو حلمت به من قبل، منذ فوزنا بالحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي. ولأننا نواجه هذا الخطر هنا داخل الحدود الأميركية، فقد بتنا اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن ننقذ بلادنا أو أن نخسرها مرة واحدة وإلى الأبد. والغريب أن جنجريتش يعتبر كتابه هذا فضحاً لأكاذيب اليساريين، مع ملاحظة أنه لم يفند ولا أي تهمة من التهم التي ألصقها بخصومه السياسيين فيما ورد أعلاه. ولمجرد كونه معارضاً لخطة الإنقاذ الاقتصادي بأموال الخزانة العامة، وكذلك لكونه معارضاً لخطة إصلاح قانون الرعاية الصحية الذي أجازته الإدارة بعد معركة طويلة مع المعارضين المحافظين، بدا لجنجريتش وكأنه ينطق بأحكام مستمدة من الكتاب المقدس، بينما لا ينطق خصومه سوى الكذب الصريح! فأي منطق هذا وأية استقامة في مواجهة أكاذيب الخصوم؟ يختتم المؤلف كتابه بخطة متكاملة لكيفية هزيمة خطة أوباما الشريرة، تتلخص في تقليص الدور الحكومي ومنعه من التدخل في إدارة العملية الإنتاجية والمؤسسات المالية، بما يساعد الاقتصاد القومي على استعادة عافيته وازدهاره. وتشمل الخطة كذلك إدخال نظام أفضل للرعاية الصحية والخدمات التعليمية، تتم فيها المحافظة على قيم الحرية التي قامت عليها تجربة الحكم الجمهوري الأميركي التي أرساها الآباء المؤسسون. عبد الجبار عبد الله -------- الكتاب: لإنقاذ أميركا... أوقفوا ماكينة أوباما العلمانية الاشتراكية المؤلف: نويت جنجريتش الناشر: دار ريجنري للطباعة والنشر تاريخ النشر: يونيو 2010