طغت المخاوف وردود الأفعال على الهجوم الإسرائيلي الأخير على أسطول الحرية، على تطور آخر مهم يدعو للأمل. فقبل يومين من اعتداء إسرائيل على الأسطول عقدت الأمم المتحدة مؤتمراً لتعزيز معاهدة حظر الانتشار النووي، وافق على خطة تهدف إلى تخليص منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية. وربما يبدو تخليص المنطقة من هذه الأنواع من الأسلحة هدفاً طموحاً إلى درجة الاستحالة، غير أنه ليس هدفاً طموحاً بما يكفي في واقع الأمر. ومع بدء التحضير لعقد مؤتمر إقليمي جامع في المنطقة لمناقشة إخلائها من أسلحة الدمار الشامل في عام 2012، على الولايات المتحدة الإلحاح على ربط ذلك المؤتمر بعملية السلام الشامل الإقليمي. لماذا؟ والإجابة هي أن إسرائيل –التي يسود اعتقاد واسع بحيازتها للسلاح النووي- لن يرجح لها أن تتخلى عن أهم رادع عسكري أمني لها طالما أن الدول المجاورة لها لا تزال ترفض إقامة علاقات دبلوماسية معها. وبدون مشاركة إسرائيل، فلن يكون هناك معنى لأي محادثات تجرى بشأن تخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل بالطبع. يجدر بالذكر أن الدول العربية وإسرائيل حاولت من قبل مناقشة هذه القضايا لكنها فشلت عملياً في التصدي لها كما ينبغي. ففي عقد التسعينيات –عقب مؤتمر مدريد للسلام- انهارت محادثات للتحكم بالأسلحة والترتيبات الأمنية الإقليمية بسبب إصرار مصر على إدراج أسلحة إسرائيل النووية في جدول أعمال المحادثات. وقد رفضت إسرائيل من جانبها ذلك المطلب المصري تمسكاً منها بحالة الغموض المحيطة ببرنامجها النووي. ولكن لماذا علينا أن نتوقع نتيجة مختلفة للمحادثات الأمنية الشرق أوسطية المقبلة؟ أولاً: على رغم تردد إسرائيل إزاء الخوض في مناقشة برنامجها النووي، فهي تواجه خياراً استراتيجياً بدا واضحاً في الأفق الآن. ويتمثل هذا الخيار في تهديد إيران بما لها من برامج نووية متطورة فيما يبدو بوضع حد لاحتكار إسرائيل للأسلحة النووية في المنطقة. وربما يساعد توجيه ضربة عسكرية لإيران في تعطيل برنامجها لبعض الوقت، إلا إنه لن يمنعها من الحصول على سلاحها النووي في نهاية الأمر. بمعنى آخر فإن بروز إيران المسلحة نووياً يطالب إسرائيل بتبني موقف نووي نشط واضح لا غموض فيه، ولكن يرجح أن تتفادى إسرائيل الظهور به بسبب تكلفته وخطورته. وعليه فإن لإسرائيل محفزات قوية على الانخراط في محادثات أمنية إقليمية مكثفة بغية منع طهران من الحصول على أسلحتها النووية. ثانياً: تبدي الدول العربية قلقاً واضحاً إزاء التوترات الإسرائيلية-الإيرانية، بينما تخشى من صعود إقليمي لإيران باعتبارها دولة نووية، بقدر خشيتها من توجيه ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية لطهران. ومما لا شك فيه أن القادة العرب سوف يدعمون عقد مؤتمر أو محادثات إقليمية تهدف إلى فرض قيود على الطموح النووي الإيراني، والتصدي للمشكلات العالقة مع إسرائيل، إضافة إلى الحد من فرص واحتمالات نشوب حرب إقليمية جديدة مدمرة في المنطقة. ثالثاً: لإيران أسباب قوية تدفعها لعدم إفشال المحادثات الإقليمية هذه. فمن شأن انضمامها إلى المحادثات الإقليمية أن يتيح لها فرصة للخروج من تنامي عزلتها الإقليمية وإبداء حسن نواياها السلمية إزاء جيرانها إن كانت هذه النوايا صادقة بالفعل. كما أن انخراط طهران في محادثات نووية مع إسرائيل، من شأنه أن يضع خطابية قيادتها النووية في محك اختبار عملي. وفيما لو فشلت طهران في هذا الاختبار، فإنها تواجه حتماً تحالفاً إقليمياً قوياً ضدها بالنتيجة. وهناك عامل رابع أخير يتمثل في أن للقوى الدولية مصلحة أكبر الآن في استقرار منطقة الشرق الأوسط، مقارنة بالماضي القريب. فلكل من الصين وروسيا مصالح متزايدة في مجالي الطاقة والتبادل الاقتصادي مع المنطقة. ومن جانبها عززت فرنسا علاقاتها العسكرية في منطقة الخليج العربي. كما أن من شأن الانتشار النووي أو نشوب حرب إقليمية جديدة في المنطقة أن يؤثر على العالم بأسره. وتدرك القوى الدولية العظمى مدى الحاجة إلى قواعد متفق عليها لحفز عملية الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. هذا ولا يعني بالطبع ضرورة اتفاق جميع الأطراف على قضايا التفاوض لمجرد جمعهم على طاولة تفاوضية واحدة. لكن ولمنع فشل مبادرة دبلوماسية شرق أوسطية جديدة، فإن أمام الولايات المتحدة الأميركية دوراً بالغ الأهمية تؤديه في تنظيم عقد المؤتمر الإقليمي المقترح في عام 2012. وعليها توجيه اهتمام وجهود كافة الأطراف في المنطقة نحو عملية سلمية أمنية مستقرة ومستدامة، فضلاً عن بناء الثقة والالتزام فيما بينهم ببسط الأمن الإقليمي في المنطقة بأسرها. ولن يكون هذا المؤتمر المكرس للتصدي لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل سوى خطوة واحدة فحسب ضمن الخطوات الأخرى العديدة الواجب اتخاذها. وسوف تحتاج إسرائيل لما يطمئنها من جانب الولايات المتحدة الأميركية على المضي قدماً في طريق هذه المحادثات. كما ينبغي لإطار هذه المحادثات أن يكون من الاتساع والشمول، بحيث لا يكتفي بمناقشة قضايا التحكم بالأسلحة ونزع الأسلحة الإقليمية وتخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل فحسب، بل لا بد له من أن يشمل قضايا الانتشار النووي والمسائل المتعلقة بعملية السلام. بهذا المعنى فإن المطلوب من المؤتمر هو أن يخطو نحو تسوية النزاعات الإقليمية التي تشمل إسرائيل والعلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها، وخلق منطقة شرق أوسطية خالية من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية ونظم تشغيلها. مارتن بي مالن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المدير التنفيذي لمشروع إدارة الذرة بمركز بلفر للشؤون الدولية بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"