من بين الـعشرة آلاف متظاهر الذين تجمعوا أمام مبنى المجلس التشريعي في فونيكس - أريزونا نهاية الأسبوع الماضي تحت شمس حارقة، برزت مجموعة بعينها كان أفرادها يرتدون "كاب" ومعطف التخرج، ذوي اللونين الأزرق الملكي اللامع، والأصفر الشمسي. كان هؤلاء من خريجي الجامعات الأميركية المختلفة، أو شباباً وشابات ممن نشأ معظمهم في الولايات المتحدة ولكنهم يعيشون فيها بشكل غير قانوني. شأنهم في ذلك شأن باقي المجموعات المشاركة، جاء هؤلاء إلى هنا للاحتجاج على قانون الهجرة الجديد المثير للجدل الصادر في ولاية أريزونا، وسعيا في الوقت نفسه للحصول على اعتراف بهدفهم الذين سعوا من أجله طويلًا، وهو تمرير ما يعرف بـ"قانون الحلم" Dream Act وهو عبارة عن تشريع فيدرالي يوفر الإمكانية للحصول على اعتراف من السلطات الحكومية بالوضع القانوني لأشخاص مثلهم، أي للمهاجرين غير الشرعيين الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية، والذين دخلوا، أو تم جلبهم إلى الولايات المتحدة بوسائل غير قانونية من قبل آبائهم، الذين كانوا هم أيضاً من المهاجرين غير الشرعيين. لكن هؤلاء الشبان والشابات يختلفون عن آبائهم من حيث أنهم لم يظلوا صامتين على التمييز الذي يمارس ضدهم باعتبارهم "مهاجرين غير شرعيين"، بل يقومون من حين لآخر بالمظاهرات في مختلف الولايات وبخاصة تلك الحدودية أو القريبة من الحدود مع المكسيك، مما يعرضهم لخطر القبض والإبعاد لخارج الولايات المتحدة من قبل السلطات. ولكن هذه المجموعة من الخريجين على وجه التحديد والتي يبلغ عددها نيفا وعشرين متظاهراً ومتظاهرة تختلف عن غيرها، من حيث أن أفرادها يعتبرون أنفسهم أميركيين من جميع النواحي باستثناء الأوراق الرسمية، حيث عاشوا في الولايات المتحدة لفترة لا تقل عن عشر سنوات، كما أنهم يتحدثون الإنجليزية بلكنة أميركية في غاية الطلاقة، ويدرسون في المدارس العليا، والكليات التي تمنح درجات جامعية معتمدة في نهاية سنوات الدراسة. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن لهم أصدقاء أميركيين، ويتبنون أنماطا للعيش تعتبر أميركية مئة في المئة، ولهم نفس الذائقة العامة الأميركية تقريبا. في الأسابيع القليلة الأخيرة، ومع تنامي احتجاجات تلك الجماعات من المهاجرين، قبضت السلطات على بعض الناشطين منهم بتهمة الإخلال بالسلم والأمن المدنيين. ولكن هؤلاء الناشطين يقولون إن هدفهم الأساسي من القيام بالمظاهرات ليس كذلك، وإنما هم يسعون لإجراء إصلاح شامل في قانون الهجرة يوفر لهم سبيلاً لتقنين وضعهم ووضع 11 مليون مهاجر أميركي مثلهم لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية. ويسعى هؤلاء الشبان أيضاً إلى حث الكونجرس على إصدار تشريع آخر، ينص على" صرف دفعة مقدمة" لما يقرب من 1.5 مليون أميركي سيكونون مؤهلين للحصول على الجنسية الأميركية وفقا لقانون" الحلم الأميركي". وعلى الرغم من أن هؤلاء معرضون، إذا استمروا في مظاهراتهم واعتصامهم، لخطر الإبعاد إلى بلدانهم الأصلية التي غادروها منذ فترات طويلة، فإن ذلك لم يمنعهم من التظاهر أمام مقار الجهات الحكومية، وأمام مكاتب ممثلي الولاية في مجلسي الكونجرس. وهذا الاندفاع، وعدم الخوف، ولنقل هذا القدر من السذاجة هو ما يميز هؤلاء الناشطين عن آبائهم . تعبر عن ذلك" إيرين" وهي مهاجرة قديمة من السلفادور رفضت ذكر اسمها خوفا من أن يكون لذلك انعكاسات سلبية على وظيفتها:"أبناؤنا يعيشون في زمن مختلف عن ذلك الذي عشنا فيه علاوة على أنهم يشعرون أنهم يمثلون جزءا لا يتجزأ من أميركا وعلى نحو يفوق كثيرا ما كنا نشعر به عندما جئنا إلى هذا البلد منذ سنوات طويلة". الفارق يبدو لافتاً لي أنا أيضاً. فباعتباري مهاجراً بلغ سن الرشد، في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، أتيح لي أن أتابع تلك الحركة الوليدة بمزيج من الإعجاب والقلق في ذات الوقت: الإعجاب بجرأة المهاجرين الشبان وإقدامهم، والقلق من أن تؤدي تلك الجرأة والإقدام إلى نتائج عكسية. وعبارة " أميركيون من كافة الأوجه باستثناء الأوراق"، تمثل شعاراً مهماً لعدد كبير من الناس الذين يسعون للحصول على الوضع القانوني. فعلينا أن نذكر في هذا السياق أن الحركات الناشطة التي اكتسبت حقوقها لم تفعل ذلك من خلال الانتظار حتى يمنحها الآخرون تلك الحقوق، وإنما سعت بنشاط وجدية للحصول عليها. وبالنسبة لحركة الشباب الحالية، فإنها تمكنت عبر السنين من كسب تأييد المشرعين "سواء "الجمهوريين" أو "الديمقراطيين" على حد سواء: ففي شهر أبريل الماضي على سبيل المثال، طلب السيناتور"ديك ديربين" ديمقراطي ـ الينوي" و"ريتشارد لوجار" (جمهوري ـ إنديانا) من وزيرة الأمن الداخلي" جانيت نابوليتانو إيقاف ترحيل الطلبة الذين يؤهلهم وضعهم للحصول على الجنسية الأميركية بموجب "قانون الحلم". ومن المعروف أن هذا القانون قد تعطل في أروقة الكونجرس لما يزيد عن عقد من الزمان على الرغم من حملات الضغط التي قام بها الطلبة ومنظمات الدفاع عن المهاجرين. ولو كان قد تم تمرير ذلك القانون، لكان قد سمح لبعض الطلبة ممن لا يحوزون وثائق، بالحصول على وضعية مقيمين شرعيين إذا ما كانوا قد جاءوا إلى هذا البلد قبل أن يبلغوا سن 16 ودرسوا في كليات جامعية، أو التحقوا بالجيش. تقول "تانيا أونزويتا" 26 عاما ،التي هاجرت من المكسيك عندما كان عمرها 10 سنوات برفقة والديها، والتي شاركت في الاعتصام الذي نظم أمام مكتب ممثل الولاية في الكونجرس وغادرت قبل أن يقبض عليها وتتعرض لاحتمال الإبعاد:" الأمر لا يتعلق بنا وحدنا فنحن نرى من هم أصغر منا سنا وهم يعانون من ذلك لذلك قررنا أن نبذل أقصى ما لدينا من أجل الدفاع عن ذلك ونقف موقفا صلباً من أجل تنفيذ مطالبنا". ----- مارجوري فالبيرن صحفية بمنظمة "صوت أميركا" المعنية بقضايا المهاجرين ----- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"