تزايدت في الآونة الأخيرة محاولات الاحتيال على البنوك في كثير من دول العالم باستخدام وسائل تقنيّة متطوّرة تستهدف سحب الأموال بطريقة غير شرعية، سواء عبر تزوير بعض المستندات والأوراق، أو من خلال سرقة الرمز البنكي، أو الرقم السريّ لحسابات العملاء، وهو الأمر الذي أدى إلى أن تتكبّد كثير من البنوك خسائر تقدّر بمليارات الدولارات. وبرغم أن دولة الإمارات تعرّضت لهذه النوعية من الجرائم على مدار السنوات القليلة الماضية، وكان آخرها محاولة الاحتيال الفاشلة على "المصرف المركزي" بمبلغ 52 ملياراً و776 مليون درهم تقريباً، فإنها نجحت في التصدّي لهذه الجرائم وكشف مرتكبيها والعلاقات التي تربطهم، وهذا يؤكّد كفاءة الآليات والأنظمة الرقابية التي تنتهجها مصارفنا الوطنية، وفي مقدّمتها "المصرف المركزي". إن محاولة الاحتيال الفاشلة الأخيرة على "المصرف المركزي" التي لم تكن الأولى، بل الرابعة على التوالي في غضون أقلّ من سنة، ومن جانب الأشخاص أنفسهم، كشفت عن أمرين مهمّين ومتلازمين: الأول، هو مدى التطوّر النوعي في طبيعة الجرائم المنظّمة التي أصبحت تواجه الدولة ومؤسساتها الماليّة في الآونة الأخيرة، فلم تعد هذه الجرائم مقتصرة على عمليات احتيال بسيطة أو تقليديّة مثل سحب مبالغ مالية من "ماكينات آلية"، أو تزوير شيكات وغير ذلك، بل إنها استهدفت هذه المرة الاحتيال على "المصرف المركزي" نفسه، عبر عملية معقّدة تتضمن تقديم وثائق مزوّرة، والإيهام بوجود تحويلات مالية من دولة خارجية، وغيرها من العمليات المعقّدة التي تكشف بوضوح عن طبيعة التطور في الجرائم المنظمة الكبرى، التي أصبحت منتشرة على نطاق واسع في كثير من دول العالم، وتشكّل تحديّاً متناميّاً لأنظمتها المالية والمصرفية. أما الأمر الثاني الذي كشفت عنه هذه الواقعة، فهو يقظة الأجهزة الأمنيّة، وقدرتها على مواجهة المستجدّات التي تشهدها هذه النوعية من الجرائم، فالسرعة التي تجاوبت بها شرطة أبوظبي مع المعلومات التي أوردتها إليها وحدة مواجهة غسل الأموال والحالات المشبوهة في "مصرف الإمارات المركزي"، واكتشافها تزوير الأوراق المقدّمة من جانب المتهمين، يشيران إلى أنها تمتلك من الخبرة والأدوات التكنولوجية ما يؤهّلها للتعاطي مع هذه النوعية من الجرائم، وإحباط أيّة جرائم مماثلة في المستقبل قد تهدّد مؤسساتنا المالية أو اقتصادنا الوطني بوجه عام. خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن مناخ الانفتاح الذي تشهده دولتنا، وما يرتبط به من تطور متسارع في مختلف قطاعات الحياة، أصبحا يغريان بعضهم بالقيام بأنشطة غير مشروعة، وهذا بدوره لاشكّ في أنه يضاعف من مسؤولية الأجهزة الأمنية عن بذل المزيد من الجهد للحفاظ على النجاحات المتحقّقة، وهي بالفعل قادرة على ذلك، ليس فقط لأنها تتمتّع بقدر عالٍ من الكفاءة والاحتراف، وإنما لأنها تأخذ بأسباب التطوير والتحديث المستمرّين لقدراتها وإمكاناتها المادية والتقنية، والارتقاء بمستوى أداء عناصرها البشرية أيضاً، ما يؤهّلها للتعاطي مع هذه النوعية من الجرائم بالقدر الذي تستحق من السرعة والمبادأة والمهنية، حيث تعمل شرطة أبوظبي حاليّاً على تأهيل مجموعة من أوائل خريجي كلية الشرطة ليكونوا ضباطاً متخصّصين وذوي علم وخبرة في مجال التحقيق المالي الجنائي للتعاطي مستقبلاً مع هذه النوعية من الجرائم، من خلال برنامج طموح يستهدف توعيتهم بالعلوم المصرفيّة، وتدريبهم في الأقسام الماليّة في بعض البنوك الوطنية.