جاءت ردود الفعل العربية والإسلامية على الاعتداء الصارخ ضد أسطول الحرية الذي يحمل معدات ومعونات إنسانية لسكان غزة، متفاوتة من بلد إلى آخر، فتركيا أعلن رئيس وزرائها، أردوغان، بأن الأمور بين أنقرة وتل آبيب لن تعود إلى سابق عهدها أبداً، وأن تركيا ليست كدول أخرى، وعداوتها لها ثمن. كما أعلنت أنقرة تجميد وساطتها للسلام بين سوريا وإسرائيل. أما في الكويت فقد جاءت ردود الفعل الأولية على شكل توصية من مجلس الأمة (البرلمان الكويتي) تطالب الحكومة بالانسحاب من مبادرة السلام العربية. أما جمهورية مصر العربية فأعلنت فتح معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، لمرور المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وتُسجل هذه الخطوة لمصر لأن كثيراً من اللغط والتشكيك بدأ يثار حول مواقفها من قضية فلسطين. وأول الدروس فيما حدث حتى الآن، هو أن على العرب إذا كانوا جادين في مناهضتهم لإسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، الابتعاد عن روح الإثارة والتصعيد ومظاهرات الإدانة والذهاب إلى الأمم المتحدة لإصدار بيانات إدانة جديدة ضد الدولة العنصرية في إسرائيل. ثانياً: أثبتت المأساة بأن الحكومات العربية، الثورية منها والمعتدلة، لم تكن مؤثرة في إدارة الأحداث، فقد لعبت المنظمات الإنسانية الدولية دوراً فعالاً في الإعداد لأسطول الحرية، وقد شاركتها بعض التنظيمات الإسلامية، بإيفاد عناصرها منها على متن سفن الحرية. وهنا علينا أن نسجل نقطة إيجابية لكل المشاركين في حملة سفن الحرية على مجهودهم الطيب الذي أثبت بأن الأعمال الإنسانية تعطي ثمارها أكثر من استغلال الدين والمذهب أو الأيديولوجيا السياسية لتحقيق الأهداف ذات البعد الإنساني البحت. ثالثاً: نأمل أن لا تقع الأنظمة العربية، المعتدلة منها خصوصاً، في أهواء الشارع وأطروحاته الداعية إلى الانسحاب من عملية السلام ومقاطعة الدول العربية التي تنادي بالسلام وحل القضية الفلسطينية انطلاقاً من مبدأ الدولتين. رابعاً: من متابعتنا للإعلام الغربي، ونحن في لندن، نلاحظ أن ثمة تحولا إيجابياً لصالح العرب والقضية الفلسطينية من منطلق إنساني، حيث اقتنع معظم المعلقين الأجانب بأن الحصار غير مبرر مهما كانت ذرائع إسرائيل. خامساً: لقد خلقت أزمة سفن الحرية مواقف متناقضة في كيفية التعامل معها، فعلى المستوى الشعبي والعاطفي برزت مطالبات نيابية كويتية من بعض أعضاء مجلس الأمة تدعو إلى مقاطعة المبادرة العربية للسلام، لكن نحمد الله أن الحكومة الكويتية كانت واعية حيث أوضح المتحدث الرسمي للحكومة الكويتية في القاهرة بأن مبادرة السلام العربية صدرت بقرارات من القادة العرب في قمة بيروت عام 2002، والحكومة الكويتية ملتزمة بهذا القرار وبمبادرة السلام التي وافق عليها كل العرب. سادساً: لقد برزت تركيا كدولة رئيسية في المنطقة داعمة للقضية الفلسطينية، وقد اتخذت مواقف عملية ضد إسرائيل، وهذا يسجل لها على الساحة العربية رسمياً وشعبياً. وأخيراً، لقد استغل الإسلام السياسي حملة سفن الحرية لتحقيق إنجاز إعلامي، لكن معركتنا مع العدو الصهيوني لرفع الحصار عن غزة هي معركة إنسانية وليست دينية. والمطلوب هو إبعاد الدين عن السياسة حتى نكسب الرأي العام العالمي معنا. د. شملان يوسف العيسى