أحدث الإحصاءات المتعلقة بظاهرة التدخين في دولة الإمارات تشير بوضوح إلى استمرار ارتفاع نسبة المدخنين، خاصة بين شريحة الفئات العمرية صغيرة السن، وهو الأمر الذي يحتاج إلى وقفة صارمة وتحرك جادّ لمواجهتها، فحسب الإحصاءات الصادرة عن "منظمة الصحة العالمية"، فإن نسبة المدخنين في الإمارات تبلغ 25 في المئة كما تشير الدراسات إلى أن 12 في المئة من الطالبات و15 في المئة من الطلاب في مدارس الدولة المختلفة في الشريحة العمرية بين 13 و15 سنة يرغبون في التدخين خلال عام. استمرار هذه النسب المرتفعة للمدخنين الفعليين والراغبين فيه يشير بوضوح إلى أن التدخين يشكّل آفة خطرة في الإمارات تحتاج إلى جهد كبير لمواجهتها والحدّ منها، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار بأمور عدة، أولها أن التدخين لا ينحصر بين الكبار فقط، وإنما يمتدّ إلى شريحة لا يمكن تجاهلها من الأطفال والمراهقين طلاب المدارس، وهذا يمثّل خطراً كبيراً قد يطول صحة هؤلاء في المستقبل. والأمر الثاني أن التدخين أصبح أحد المصادر الرئيسية للوفاة، سواء في دولة الإمارات، أو على المستوى العالمي، بعد أن أكدت كثير من الدراسات علاقته بكثير من الأمراض المهلكة، ففي الإمارات تشير التقديرات إلى أن نسبة الوفاة بسبب سرطان الرئة، الذي يعدّ التدخين سبباً رئيسيّاً له تبلغ 14 في المئة. وعلى المستوى العالمي يتسبب التدخين بمختلف أشكاله في وفاة خمسة ملايين إنسان سنويّاً، وتؤكد دراسات "منظمة الصحة العالمية" أن هذا العدد يتضاعف باستمرار، وقد يصل إلى 10 ملايين بحلول عام 2020، إذا ما تواصلت معدّلاته الحالية من دون تراجع. أما الأمر الثالث فيرتبط بالتكلفتين البشرية والمادية المرتفعتين اللتين تتكبّدهما ميزانية الدولة جراء آفة التدخين، سواء بسبب علاج الأمراض الناتجة عنه، أو بسبب انخفاض إنتاجية المدخنين لتأثيره السلبي في صحّتهم وقدرتهم على العمل والإنتاج. ونظراً إلى ما تمثله هذه الظاهرة من خطورة على مستويات عدة، كان تحرك الإمارات الواعي لمواجهتها من خلال مجموعة من الإجراءات والسياسات المتكاملة، فتشريعيّاً جاء صدور قانون مكافحة التبغ رقم 15 لعام 2009، ليشكّل خطوة وقائية تقطع الطريق على الشركات التي تسعى إلى الترويج لمنتجات التبغ، وجذب الشباب إلى التدخين، لما تضمّنه من بنود مهمة، تتعلق بحظر زراعة التبغ وصناعة منتجاته لأغراض تجارية، كما عالج هذا القانون مشكلة التدخين السلبي، التي لا تقل في خطورتها عن التدخين العادي، حيث يحظر التدخين في "الأماكن العامة المغلقة"، كما يحظر الترخيص للمقاهي أو ما يماثلها التي تقدم أيّاً من أنواع التبغ أو منتجاته داخل البنايات السكنية أو بجوارها لمسافة خمسين متراً. وبالتوازي مع ذلك تتحرك الدولة على صعيدي العلاج والتوعية بمخاطر التدخين باعتباره من المهدّدات الرئيسية للصحة والمجتمع. ولا تكتفي الإمارات بذلك بل تتفاعل مع الجهود الإقليمية والدولية، وتطرح المبادرات البنّاءة في هذا الشأن، وكان آخرها المبادرة التي طرحتها بمناسبة "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"، الذي وافق نهاية شهر مايو الماضي، حينما أطلقت أول حملة دولية لمكافحة التبغ في الشرق الأوسط، كما تم إطلاق "إعلان دبي لمكافحة التدخين" بالتعاون مع "منظمة الصحة العالمية"، الذي يطرح أفكاراً ومقترحات غير تقليدية ستسهم في مواجهة هذه الظاهرة والحدّ من انتشارها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية