عندما اختيرت دولة جنوب إفريقيا لاستضافة كأس العالم 2010 كان الشيء الذي فُهم في مختلف أنحاء العالم أن الفوائد المترتبة على ذلك الاختيار سوف تَعُم قارة إفريقيا كلها، ولن تقتصر على جنوب إفريقيا فقط، وأنه جاء ليعكس الأهمية والنفوذ المتزايدين للقارة في ساحات كرة القدم العالمية، وأن مشاهدة فعاليات البطولة سوف تقدم أخبارا ومشاهد وصورا تختلف عن أخبار ومشاهد وصور الكوارث والمجاعات والحروب التي ارتبطت دوما بهذه القارة. يقول "بيتر اليجاي"، مؤلف الكتاب الذي نعرضه هنا، "فضاءات كرة القدم الإفريقية: كيف غيرت القارة اللعبة العالمية؟"، إنه مع مرور الوقت اتضح أن كل هذا الحديث عن وحدة القارة لم يغير حقيقة أن هذه البطولة ستفيد جنوب إفريقيا في المقام الأول حيث ستظهر للعالم المعجزة التي حققتها دولة "قوس قزح" التي تحولت إلى دولة ديمقراطية نابضة، وإلى مركز قوة ونفوذ اقتصادي كبير. فمثلا الخطط التي بذلت لإقناع الفرق المشاركة في البطولة بتنظيم معسكراتها التدريبية في الدول المجاورة لجنوب إفريقيا، لم تنجح وفضلت معظم الدول تنظيم تلك المعسكرات في أوروبا، كما أن حصيلة بيع التذاكر للمشجعين الأفارقة في الدول الأخرى كانت هزيلة. والحال -كما يرى المؤلف- أن كأس العالم ينتمي، في نهاية المطاف، إلى "الفيفا"، وإلى الشركات الراعية وأهمها هذه المرة شركة كوكاكولا التي ضغطت على الفيفا لإقناع سلطات جنوب إفريقيا بتفريغ مساحات واسعة من مدنها من كافة اللوحات الإعلانية الخاصة بمنتجات المصنعين المحليين بل ومنتجات الشركات العالمية الأخرى المنافسة، وملئها باللوحات الإعلانية الخاصة بكوكاكولا نفسها، بحيث سيتخيل من يشاهدون فعاليات البطولة وأماكن التدريب أنهم في مدن أميركية وليست إفريقية. ويرى الكاتب أن الصورة التي قدمت عن إفريقيا حين الإعلان عن اختيار إحدى دولها لتنظيم كأس العالم هي صورة إفريقيا السياحية كما تبدو في الإعلانات، وهي صورة مواطنين أفارقة يرتدون ملابس مزركشة، وغابات كثيفة، وحيوانات متوحشة، وأن كل تلك الأشياء لم تكن هي التي فرضت على الفيفا اختيار إفريقيا لتنظيم هذه الفعالية العالمية، وإنما الذي فرض ذلك في الحقيقة شيئان هما: أن إفريقيا قد تحولت إلى أرض لتفريخ المواهب الكروية التي تتألق حالياً في كافة الملاعب العالمية. والثاني، هو التاريخ الطويل للعبة في القارة، وعلاقاتها الوثيقة بانبثاق الهويات الإثنية، واللغوية، والسلطة السياسية بطبيعة الحال. يخصص المؤلف فصلا عن دخول كرة القدم إلى إفريقيا على أيدي الأوروبيين حيث كان يمارسها جنود الاحتلال في بداية الأمر قبل أن يهتم بها الأفارقة، ويبدؤون في تقليد جنود الغزاة، ثم تكتسب تدريجيا تلك الشعبية الجارفة التي تتمتع بها حالياً. كان الاستعمار يشجع أبناء الشعوب على ممارسة كرة القدم كوسيلة لتطويع إرادتها، وإقناعها بمزايا تقليد المستعمر حتى في مجال اللعب. بعد ذلك، وفي عصر التحرر الوطني، استخدمت كرة القدم كوسيلة لإلهاء الشعوب عن المطالبة بحقوقها في المشاركة السياسية والديمقراطية والعيش الكريم، كما استخدمت المباريات بين الدول المختلفة لتأجيج المشاعر الوطنية، والالتفاف حول هدف واحد وخصوصا في حالات الدول التي تضم بداخلها أديانا وقوميات مختلفة. ويقول المؤلف إن الاهتمام الأوروبي خصوصاً بكرة القدم الأفريقية، ومتابعتها عن كثب سعيا لاختطاف أي مواهب كروية تظهر في ملاعب القارة، وإن كان قد ساعد على زيادة شهرة دولها كمورد لهذه المواهب، فإنه ساهم في تفريغها من مواهب قد لا يجود الزمان بمثلها. وفي الفصل الأخير يناقش المؤلف مفارقة مؤداها أن جنوب إفريقيا التي تمتلك كافة الإمكانيات اللازمة لتنظيم كأس العالم، لا يمتلك فريقها، وباعتراف سلطاتها نفسها، فرصة للفوز بالكأس كما يحدث عادة في الدول المضيفة للبطولة، وأن فريقها لو تمكن، أو حتى تمكن فريق إفريقي آخر، من تجاوز الدور الأول، فسيكون ذلك إنجازا كبيرا. وينتهي المؤلف للقول إنه بصرف النظر عن ذلك الاحتمال فالمؤكد أن القارة وشعوبها سوف تكون في غاية السعادة وهي تشاهد المباريات تجري على أرضها، واهتمام العالم كله وهو ينصب عليها، فضلا عما ستمثله وقائع البطولة نفسها من تسلية ومتعة في مشاهدة لعبة يدرك قراء هذا الكتاب، ربما أكثر من غيرهم، أنها أكبر كثيراً من كونها كذلك. سعيد كامل ------ الكتاب: فضاءات كرة القدم الإفريقية: كيف غيرت القارة اللعبة العالمية؟ المؤلف: بيتر اليجاي الناشر: سي.هيرست آند كومباني تاريخ النشر: 2010