الموهوبون والمبدعون في المجالات كافة هم سرّ تقدم الأمم ونهضتها، ولذا يحظون دائماً برعاية واهتمام استثنائيين، باعتبار ذلك أفضل استثمار للمستقبل، وليس أدلّ على ذلك من أن الدول المتقدمة لم تعد تكتفي برعاية الموهوبين فيها، وتخصص ميزانيات خاصة برعايتهم والارتقاء بقدراتهم الإبداعية، وإنما أصبحت تهتم كذلك باستقطابهم من دول العالم أجمع وتقديم الحوافز التي تغريهم للقدوم والعيش فيها. وتدرك قيادتنا الرشيدة هذه الحقيقة بوضوح، ولذا لا تألو جهداً في الاهتمام بالموهوبين والمبدعين والمتفوقين في المجالات كلها، باعتبارهم القاعدة الأساسية لبناء مجتمع أكثر عطاء في الحاضر وتفوقاً في المستقبل، ويتجلّى أحد جوانب هذا الاهتمام في القرار الذي أصدره، مؤخراً، الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتخصيص مكافآت مالية للفائزين من شباب الوطن الذين يحقّقون مراكز متقدمة ويحرزون ميداليات في "مسابقة المهارات الدولية"، التي تنظّم كل عامين على مستوى العالم. هذه المكافآت تعكس بوضوح كيف أن رعاية الموهوبين والاهتمام بهم أصبحا توجهاً محوريّاً لقيادتنا الرشيدة، لأن هؤلاء بالإضافة إلى أنهم يمثّلون الإمارات في المحافل الدولية المختلفة في مختلف المجالات، فإنهم أيضاً يشكّلون الكوادر المواطنة القادرة على خدمة مجتمعنا في المستقبل، وبما ينعكس بشكل إيجابي على حركة التنمية والتطور فيه. ولعل ما يبعث على التفاؤل أن هناك اهتماماً نوعيّاً مستمراً بالموهوبين من جانب مختلف الجهات والهيئات المعنية في الدولة، بل إن وزارة التربية والتعليم أعلنت، مؤخراً، توجهها لتأسيس مركز لرعاية الموهوبين ستكون مهمته الرئيسية اكتشاف الموهوبين في المجالات المختلفة، العلوم والرياضيات، وتقنية المعلومات، والأنشطة الرياضية، والارتقاء بقدراتهم وتنمية مهاراتهم في هذه المجالات، ومن ثم وضعهم على الطريق الصحيح، وبالشكل الذي يتيح لهم في المستقبل خدمة الوطن. إن رعاية الموهوبين هي أفضل استثمار في المستقبل، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد فيها دولتنا تطوّرات وتحولات جذرية في ميادين الحياة كافة، وتسعى إلى التفوق على مختلف الصُّعد. لقد أثبتت تجارب التنمية والتقدم عبر التاريخ أنه لا يمكن لأي دولة أن تنهض في غياب الإنسان القادر على النهوض بأعباء التنمية ومسؤولياتها، ولا يمكن لها أن تحافظ على نهضتها وتوفر سياج الحماية لها من دون العنصر البشري المبدع، فاليابان نجحت في وقت قصير أن تصبح دولة صناعية عملاقة على الرغم من ندرة مواردها الطبيعية بفضل اهتمامها بالكفاءات والعقول الوطنية فيها، والقوى الاقتصادية الصاعدة في العالم أجمع باتت تنافس الاقتصادات الكبرى والدول الصناعية المتقدمة على الرغم من شحّ إمكاناتها الطبيعية بفضل استثمارها في العنصر البشري، واهتمامها برعاية الموهوبين وإطلاق إبداعاتهم وقدراتهم الخلاقة. والإمارات قادرة بأبنائها الموهوبين والمبدعين ليس على مسايرة هذه التجارب فحسب، بل على الانطلاق إلى آفاق أرحب وأوسع أيضاً، لأنّ هناك أولاً دعماً سياسيّاً متواصلاً من جانب قيادتنا الرشيدة لهؤلاء الموهوبين، وهناك ثانيّاً إطار مؤسسي يرعى هؤلاء ويوفر لهم الإمكانات كافة اللازمة لإطلاق إبداعاتهم وابتكاراتهم في المجالات كافة، وبالشكل الذي يجعلهم بالفعل قيادات المستقبل في مختلف مواقع العمل والإنتاج.