بعد مضي ما يقارب العقدين من تراجع الدعم الولائي للتعليم العالي، أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا "أرنولد شواريزنجر" تحركاً جديداً باتجاه تحسين دعم ولايته لجامعة ولاية كاليفورنيا، التي تعد من أكبر الجامعات الأميركية. ويدعم شواريزنجر خطته هذه بالتهديد بنقض أي موازنة للعام المقبل لا تتضمن مبلغ الـ365.3 مليون دولار المخصصة لهذا الغرض. وبينما تعد هذه أخبارا إيجابية دون شك، فلن يساوي هذا التمويل سوى استبدال لخفض الموازنة مرة واحدة فحسب خلال العام الماضي، في حين يصعب تأكيد موافقة المجلس التشريعي الولائي على خطة شواريزنجر المذكورة. وحتى في حال إجازة الخطة كما هي، فإنها لن تعوض عن سنين عديدة من خفض وتراجع ميزانية التعليم في الولاية إلى درجة تقلص فيها نصيب التعليم من ميزانية الولاية نسبة 11 في المئة عام 1994 إلى 5.7 في المئة فقط العام الماضي. ويقل تمويل التعليم العالي حالياً عن تمويل الولاية لسجونها بـ 40 في المئة، وهي مفارقة غريبة بالطبع. وفي العام الماضي وحده خسرت جامعة كاليفورنيا نسبة 21 في المئة من تمويلها الولائي، ما أرغم الجامعة على خفض عدد طلابها المسجلين في العام نفسه بما يزيد على 400 ألف طالب، إضافة إلى خفض رواتب العاملين فيها بمعدل يومين شهرياً مع إنهاء خدمة البعض الآخر. يحدث كل هذا في أكبر الجامعات الأميركية بينما يزداد الطلب على التعليم العالي. فقد ارتفعت الطلبات المقدمة لمختلف كليات الجامعة النظامية بنسبة 28 في المئة خلال العام الحالي. وتشمل هذه النسبة طلبات انتقال الطلاب من جامعات أخرى، إضافة إلى طلبات العاملين العاطلين عن العمل، الساعين إلى تحسين فرصهم التنافسية في سوق عمالة يضيق باطراد. وعلى امتداد نصف القرن تقريباً ظلت كليات الجامعة بمثابة عتبة يرتقي خلالها الخريجون إلى أعلى مراتب السلم الوظيفي. وساهمت هذه الكليات في تسهيل التحاق الخريجين بالطبقة الوسطى والطبقة العاملة في الولاية، إضافة إلى مساهمتها في توفير العمالة المدربة واليد العاملة المتنوعة التخصصات والمهارات للاستثمارات في الولاية. غير أن تراجع التمويل الولائي للتعليم العالي اليوم، يؤدي عملياً إلى إغلاق أبواب الكثير من الكليات الجامعية. ومن شأن العجز عن تحسين هذا التمويل أن يهدد حياة جيل كامل من أبناء كاليفورنيا، إضافة إلى تهديده للمستقبل الاقتصادي للولاية. ويذكر أن "معهد السياسات العامة لولاية كاليفورنيا" قد تنبأ بانخفاض عدد خريجي الجامعات والكليات بحوالي مليون خريج بحلول عام 2025، فيما لو عجزت الولاية عن رفع مستوى تمويلها لمؤسسات التعليم العالي. ويعترف المعهد بالصعوبات التي تكتنف الحصول على التمويل اللازم للجامعات والكليات في ظل البيئة الاستثمارية الحالية، المتأثرة سلباً بتداعيات الأزمة المالية الاقتصادية الأخيرة، لكنه يؤكد أن خسائر الولاية سوف تكون أكثر فداحة فيما لو لم تتمكن من الاستثمار على نحو صحيح في مجال التعليم العالي. وذلك ما أكدته دراسة حديثة أصدرتها شركة ICF International للخدمات الاستشارية. توصلت الدراسة إلى أن مجموع خريجي جامعة كاليفورنيا البالغ عددهم 1.96 مليون خريج يعملون في مختلف استثمارات الولاية وشركاتها، يساهمون بدخل سنوي مقداره 42 مليار دولار، نتيجة لمؤهلاتهم الجامعية العليا. وفي حال انخفاض معدل النشاط الاقتصادي الذي يقوم به خريجو الولاية من الكليات والجامعات مستقبلاً، فإن ذلك سيكلف الولاية مئات الآلاف من الوظائف، إضافة إلى حرمانها من أحد أهم عناصر قصة نجاحها الاقتصادي: قوة عاملة متنوعة المهارات وذات مؤهلات تعليمية رفيعة. وتعد كليات الجامعة التي تخرج سنوياً نحو 92 ألف طالب، طليعة في توفير القوة العاملة اللازمة للولاية. وفي العام الماضي، ساهم مجمع جامعي واحد تابع للجامعة في تخريج 13 ألف معلم، أي نصف عدد المعلمين الذين تحتاجهم الولاية. وفضلاً عن ذلك تلعب الجامعة دوراً قيادياً في توفير العمالة المدربة في مجالات أخرى، من بينها تكنولوجيا المعلومات، والتمريض، وإدارة الأعمال، والهندسة والزراعة، والسياحة والصحافة والإعلام. وهذه جميعها صناعات بالغة الأهمية وتساهم في خلق ما يزيد على 5 ملايين وظيفة في الولاية. ليس ذلك فحسب، بل يسهم النظام الجامعي في الولاية في خلق الوظائف وتحسين حياة المزيد من المواطنين عبر إقامة الشراكات مع المؤسسات الاستثمارية الخاصة. فمثلا يساعد خريجو كلية الهندسة في مجمع لونج بيتش الجامعي الاستثمارات المحلية في تصميم وتشغيل نظام "مايتي ماكس" المستخدم في تنظيف ماكينات الخياطة الحديثة. أما في منطقة وادي سان فيرناندو، فتعتمد الاستثمارات والصناعات الخاصة هناك على المعلومات المهنية المتخصصة التي يوفرها لها مركز البحوث الاقتصادية التابع للجامعة. وبالمثل يعمل مركز التحكم الإلكتروني الهندسي التابع للجامعة في لوس أنجلوس، على تطوير أحدث الأدوات والتكنولوجيا الإلكترونية الخاصة بمحاكاة نظم التحكم بطائرات المستقبل. وفي وقت تخوض فيه الولايات المتحدة حربين استنزافيتين في كل من العراق وأفغانستان، يساهم فرع الجامعة في دومنجيز هيلز في تحسين حياة الجنود العائدين من ميادين القتال عبر الشراكة المستمرة بينه ومستشفى لونج بيتش لقدامى الجنود والمحاربين. وتعمل هاتان المؤسستان على تدريب الطلاب على تكنولوجيا الأطراف الصناعية. وأخيراً نستنتج من ذلك مدى أهمية الاستثمار في تمويل جامعة كاليفورنيا التي تلعب دوراً لا غنى عنه في ازدهار اقتصاد الولاية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تشارلس بي. ريد مدير جامعة ولاية كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي تي. إنترناشونال"