تمثل ظاهرة الاتجار بالبشر هاجساً مقلقاً لدول العالم أجمع، لما يرتبط بها من ممارسات تمثّل انتهاكاً لحقوق الإنسان، ولهذا فإن التصدّي لهذه الظاهرة، والقضاء عليها، أصبحا يشكّلان أولوية متقدّمة. ولا تنفصل دولة الإمارات بدورها عن الجهود الدولية الرامية إلى القضاء على هذه الظاهرة. من هذا المنطلق، فإن ما تم الكشف عنه مؤخراً في الندوة التي تنظّمها إدارة التحريات والمباحث الجنائية في شرطة أبوظبي، حول "مخاطر الاتجار بالبشر" من توجّه وزارة الداخلية لبناء استراتيجية أمنية شاملة للوقاية من هذه الجريمة، ومعاقبة مرتكبيها، يشكّل أهمية كبيرة، بعد أن ثبت أن هذه الظاهرة لم تعد تنفصل عن جرائم أمنيّة أخرى تتصل بأمن المجتمع واستقراره، ولهذا تحرص وزارة الداخلية على تدريب الضباط القائمين على تنفيذ قوانين مكافحة الاتجار بالبشر، ومنحهم دورات متخصّصة في موضوعات مثل المخاطر الأمنية المتعلّقة بالاتجار بالبشر، وقضايا حقوق الإنسان، ومنع الجرائم، والسيطرة عليها، وطريقة التحقيق مع المتورّطين في هذه النوعيّة من الجرائم. الاستراتيجيّة التي تتبعها الدولة في مواجهة هذه الظاهرة ترتكز على موقف مبدئي مناهض بكلّ قوة لتلك الجريمة، يعكسه ما نصّت عليه المادة 34 من دستور الدولة من "عدم جواز استعباد أيّ إنسان، وعدم فرض أيّ عمل إجباري على أحد". ويتجسّد كذلك في ما يتخذ من تدابير وخطوات عملية، لا تتوقف عند حدّ معين، بل تتطور باستمرار لتتواءم مع التطور الذي تشهده الظاهرة على مستوى العالم. فهناك أولاً الإطار التشريعي والقانوني الذي يتضمّن عقوبات رادعة لكلّ من يتورط في أي من جرائم الاتجار بالبشر. ويحسب للإمارات أنها كانت أول دولة عربيّة تصدر قانوناً خاصاً بمكافحة هذه الظاهرة، هو القانون الاتحادي رقم "51 لسنة 2006 "، الذي يتضمّن عقوبات رادعة لكلّ من يتورط في أي من الجرائم المرتبطة بالاتجار بالبشر. وهناك ثانياً البعد الاجتماعي المتمثل في مساندة ضحايا هذه الظاهرة، وتأمين الحماية اللازمة لهم، من خلال برامج دعم اجتماعي واسعة النطاق تهدف إلى توفير الحماية والرعاية لهم بشكل إنسانيّ سريع وعادل، إضافة إلى التوجّه، مؤخراً، إلى إنشاء مراكز مخصصة لإيواء الضحايا والمتضرّرين تطبّق أفضل الممارسات الخاصة بمساعدة الضحايا. أما البعد الثالث في هذه الاستراتيجيّة، فيتمثل في حرص الدولة على توسيع آفاق التعاون الدولي، والانضمام إلى الاتفاقيات الثنائية، والاستفادة من الخبرات الدوليّة المختلفة في مواجهة هذه القضيّة، انطلاقاً من مسؤوليتها كعضو ناشط وملتزم في المجتمع الدولي، ولذا تبدي استعدادها الدائم للتعاون مع الجهات الدولية المعنيّة كافة لضمان سرعة محاسبة كلّ من يرتكب جرائم الاتجار بالبشر، أو من يحاول استخدام الإمارات قناة عبور لممارساته في دول أخرى. إن أهم ما يميز الاستراتيجية الإماراتية لمواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر أنها تنطلق من منظور شمولي، سواء في مواجهة الأسباب التي تقف وراءها، أو في كيفية التعامل مع ضحاياها، وهو الأمر الذي كان له أثره في الحدّ من هذه الظاهرة، وانخفاض نسبة الجرائم المرتبطة بها إلى أضيق نطاق ممكن. كما أسهم كذلك في تزايد التقدير الدولي للإمارات، حيث تصدّرت الدولة التقارير الأممية الصادرة بصفتها من أكثر دول العالم تجاوباً وتعاوناً في مواجهة هذه الظاهرة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.