يعكف فريق من الباحثين والعلماء الآن على عدة وسائل يأملون أن تمكنهم من تقليل التأثيرات الكارثية لارتفاع درجات حرارة الأرض. لكنهم لا يعملون على تصميم نوع من السيارات الهجينة، أو خلايا الطاقة المتجددة، أو مولدات لطاقة الرياح... فهم يعملون على تبني واكتشاف تقنيات جديدة تمكنهم من الخفض الكلي لدرجات حرارة كوكب الأرض. وتشمل هذه التقنيات محاولة امتصاص كميات كبيرة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وآليات تمكنهم من تحويل أشعة الشمس عن الأرض بغير الإمكان، وكذلك استخدام براكين اصطناعية تعمل على ضخ النظائر العاكسة للحرارة في الغلاف الجوي. هذه بعض اجتراحات "الهندسة الجغرافية" التي بدأت قبل خمس سنوات فحسب. وكما يقول جيف جوديل، مؤلف الكتاب الذي نعرضه هنا، "كيف نخفض حرارة كوكب الأرض"، فقد جعلت الأزمة الاقتصادية المالية، وما صحبها من حقائق سياسية دولية، هذه التكنولوجيا أقرب إلى الجنون حتى في نظر المتحمسين لها. ولعل هذا الكتاب يبدو أقرب إلى مزاج ومستوى فهم القارئ العادي غير المتخصص، المعني بخطر التغير المناخي، ذلك أنه يتناول بالأساس وسائل وابتكارات جديدة تهدف إلى الحد من تأثيرات هذه الكارثة البيئية. لكن قبل المضي في تفصيل هذه الوسائل، ينبغي فحص مفهوم الهندسة الجغرافية نفسه. ربما يصعب تقديم تعريف جامع لمصطلح لا يزال حديثاً، غير أن الذي يفهم منه أنه أكبر تدخل متعمد في النظام الإيكولوجي لكوكب الأرض، بهدف الحد من ارتفاع حرارة الأرض، وفقاً لما أوردته جمعية العلوم الملكية البريطانية. لكن لا يزال هذا العلم في مراحله الأولية، وهو أبعد من أن يكون موضوعاً علمياً ناضجاً ينشغل به الحوار العلمي الرئيسي حول كيفية خفض درجات حرارة الأرض. غير أن من الابتكارات التقنية التي تشملها هذه الهندسة، استخدام بنادق ومدفعيات لضرب النظائر العاكسة للحرارة في الغلاف الجوي، ونصب مرايا عاكسة للحرارة في الفضاء، إلى جانب استخدام سفن عملاقة لشفط كميات كبيرة من ثاني أكسد الكربون من الغلاف الجوي. ويذكر أن جوديل نفسه ليس أقل تشككاً منا في هذه الهندسة التي يدعو إليها. فقبل أن نراهن عليها كما يقول، علينا خفض انبعاثاتنا من غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ومهما تكن الوسائل والتقنيات المستخدمة في الحد من خطر هذه الظاهرة، فلا غنى عن تبني استراتيجية راديكالية للمحافظة على البيئة. ذلك أن نجاح البشرية المؤقت في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما من الغازات السامة، لن يؤدي إلى نجاح مستديم في خفض درجات الحرارة، طالما أن هذه الغازات تبقى عالقة بالغلاف الجوي لفترات أطول مما نتصور بكثير. وهذا يعني أن خفض انبعاث هذه الغازات لن يقدم حلاً لمشكلة التغير المناخي، وهي مشكلة تهدد بتغيير الأنماط المناخية، وتدمير النظم البيئية الهشة، لتصل بتأثيراتها هذه في نهاية الأمر إلى الحد من مساحة الأرض الصالحة لسكنى البشر فيها. وعليه يرى جوديل أن على العلماء والباحثين الأخذ بالهندسة الجغرافية وغيرها من الوسائل الحديثة للحد من حرارة الأرض. وهذا ما انخرط فيه كثير من العلماء طوال العقد الماضي بالفعل. فمنهم من بدأ اكتشافات لها صلة بتخصيب المحيطات والمسطحات المائية عبر زرع النباتات العالقة التي تعمل على امتصاص كميات مقدرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. أما الباحث ستيفن سولتر -من جامعة أدنبرة- فله طريقة أخرى في خفض درجات الحرارة: تبييض السحب. فهو يعتقد أن بوسعنا رش السحب بمياه البحر لخفض قدرتها على الإمطار، وبذلك نزيد درجة ابيضاضها وقدرتها على عكس أشعة الشمس على الأرض، ما يعني خفض درجات كوكبنا. ويكرس المؤلف فصلاً من فصول كتابه لرواية تجارب عديدة يجريها الباحثون في هذا المجال، ومنها سعي بعضهم لتفجير براكين اصطناعية، تساعد في رش الغلاف الجوي بالغازات الكبريتية أو إصابة المواد المعدنية مثل الألمونيوم بالخمول. لكن تظل هناك جملة من التعقيدات والصعوبات المحيطة بهذه الجهود، كما يظل عدد كبير من الأسئلة بحاجة إلى الإجابة. وبعض هذه الأسئلة ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية: أي دولة أو منظمة يمكنها إعطاء هذه السلطة لإحداث تغيير في الغلاف الجوي بهذا الحجم؟ ومن يدفع تكلفة هذا التغيير؟ وماذا لو رفضت بعض الشعوب لسبب من الأسباب تغيير ظروفها المناخية؟ عبدالجبار عبدالله -------- الكتاب: كيف نخفض حرارة كوكب الأرض المؤلف: جيف جوديل الناشر: مؤسسة هوفتون ميفن هاركورت تاريخ النشر: 2010