قضية غريبة: مواطن طلق زوجته وابنة عمه ثم امتنع عن دفع نفقتها. رفعت الطليقة دعوى تنفيذ على ممتلكات طليقها، وكان من ضمن الممتلكات مصنع للأثاث يملكه المواطن ملكية كاملة باعتبارها مؤسسة فردية. ذهبتُ إلى المصنع لتنفيذ قرار الحجز على موجوداته تمهيداً لبيعها في المزاد العلني واستيفاء حق الدائنة أو سداد قيمة المطالبة المالية فوراً، وتفاجأت بالمدير الأجنبي يخرج غاضباً وهو يقول إن المصنع مصنعه وأن المواطن مجرد كفيل، وأنه لا يعرف الدائنة ولم يتعامل معها. بالطبع ما قاله المستثمر الأجنبي ليس إلا "كلام"، فالمصنع أمام القانون ملك للمواطن، وليس هناك انفصال بين ذمته المالية وذمة ما يملك. ويمكن للمستثمر أن يدخل في نزاع قضائي مع المواطن لكنه لا يستطيع الاحتجاج أمام الغير، والدائنة هنا تعد من الغير حتى لو كانت أم عيال المدين وابنة عمه. في قضية أخرى كان مواطن يملك أكثر من مؤسسة فردية، أو بالأحرى كفيلاً لها لا يملك منها شيئاً، لكنه في نظر القانون يملكها كلها ولا ينازعه في ملكيته أحد، وهو المسؤول أيضاً عن ديونها مسؤولية كاملة تصل إلى أملاكه الخاصة، بل إن عجزه عن السداد يفتح أمامه أبواب السجن. تسبب مستثمر أجنبي يدير إحدى تلك المؤسسات في سلسلة من الخسائر لمؤسسته بلغت أرقاماً خرافية، ومن ثم لقائمة طويلة من الدائنين. ولمّا لم تف موجودات المؤسسة بقيمة المطالبات، اتجهت أنظار الدائنين إلى بقية المؤسسات التي يملكها المواطن. كالعادة حملت أوراقي وحجزت على موجودات كل مؤسسات المواطن الذي كان يأتي معي متعجباً، فهو لم يكن له ذنب في الديون أساساً. وفي كل مؤسسة كان مستثمرها الأجنبي يوشك على البكاء، متعجباً هو الآخر، لكنه القانون الذي لا يعرف هؤلاء وإنما المدين المواطن. في قضية ثالثة كان المواطن يمتلك قطعة أرض، وكان في الوقت نفسه يمتلك مؤسسة فردية لا ناقة له فيها ولا جمل. وكالعادة أيضاً، وقعت المؤسسة في دوّامة الديون، وحين لم تغط موجوداتها قيمة المطالبة، كنت على موعد مع دائرة الأراضي والأملاك للحجز على قطعة الأرض. ثلاث حالات متشابهة أمام القانون مختلفة في الواقع، في الأولى أكل المواطن مصنع الأجنبي، وفي الثانية أكل الأجنبي بقية الأجانب والمواطن، وفي الثالثة أكل الأجنبي أرض المواطن. هذه بعض الإشكاليات التي كانت تواجهني أثناء عملي في المحاكم في ملفات التنفيذ على المؤسسات الفردية، ولم تكن الأمور تسير على هذا النحو الدرامي عند التنفيذ على الشركات ذات المسؤولية المحدودة، حيث الشريك لا يُسأل إلا عن حصته في رأس المال، ولا يتم الرجوع إلى الأموال الخاصة للشركاء في حال ترتبت مطالبات مالية على الشركة. ربما حَرَصَ المشرع، حين حصر المؤسسة الفردية على المواطنين، على امتلاك العنصر الوطني للمؤسسات التجارية التي يعتمد عليها اقتصاد أي دولة، وكذلك حصر الاستفادة من الميزات التي تقدمها المؤسسات، حيث لا يمكن مزاولة بعض الأنشطة كإدارة العقارات إلا من خلال مؤسسة فردية، والاستفادة كذلك من انخفاض رسوم تأسيس المؤسسة مقارنة بإنشاء الشركة. لكن هذه الميزات تنقلب بسبب قلة الوعي أحياناً، وسوء النية في أحيان أخرى، إلى هضم حقوق ومظالم كثيرة. ومن المهم أن تبادر بعض الجهات الرسمية المعنية إلى التوعية بالتبعات القانونية للمؤسسات الفردية، كوزارة العدل والدوائر الاقتصادية والبنوك في أثناء التوقيع على التسهيلات المصرفية، وكذلك كتّاب العدل الذين يفترض فيهم أن يبصّروا أصحاب الشأن بالسندات التي يرغبون في التصديق عليها، كالوكالات وتعيين المدير، ليعرف كل طرف مركزه القانوني ويكون على بصيرة من أمره.