منذ سنوات والحديث عن إلغاء نظام الكفيل المعتمد بالنسبة للعمالة الوافدة في دول الخليج يدور بين فعاليات المجتمع ومؤسسات الدولة في كل بلدان الخليج. وبسبب حجم هذا الموضوع وتأثيره المباشر على الحياة اليومية في الدول الخليجية فإن هناك فريقين قويين يتجاذبان الرأي في هذه القضية المهمة؛ فريق يطالب بإلغاء نظام الكفيل فوراً لأنه نظام عفا عليه الزمن وكان يناسب مرحلة معينة من تاريخ المنطقة ولم يعد له أي فائدة أو حاجة اليوم. أما الفريق الآخر فيرى أن الحالة الخاصة لأغلب دول الخليج جعلت من هذا النظام صمام أمان في هذه الدول نتيجة كبر حجم العمالة الوافدة والتي تصل إلى أضعاف أعداد المواطنين في بعض الدول الخليجية. وفي الخليج هناك قرابة الـ30 مليون عامل أجنبي ما يعني أن هناك تركيبة اقتصادية وتجارية وحتى اجتماعية جديدة ستطرأ على دول الخليج حين يتم إلغاء نظام الكفيل، حيث يفترض أن تكون هذه الدول مهيأة بشكل كامل لهذا الوضع الذي قد يحتاج إلى ترتيبات على مختلف الأصعدة. وفي كل الأحوال يبقى أن تجاوز مرحلة الكفيل أصبح أمراً مهماً وجوهرياً بالنسبة لدول الخليج التي تبحث عن أفضل المعايير الدولية للتعامل مع العمالة الأجنبية وللمحافظة على حقوقها بشكل مختلف عن السابق. إن نظام الكفيل ليس عبئاً على المكفول بل على الكفيل أيضاً الذي يتحمل في كثير من الأحيان مسؤولية المكفول وأعبائه المالية والقانونية... كما أن منح العامل حرية الانتقال من عمل إلى آخر ليس أمراً سيئاً في حق الشركات وقد تكون للأمر تأثيراته السلبية في المرحلة الأولى من تطبيق القرار، لكن مع الوقت سيكتشف العامل أن مسألة الانتقال من شركة إلى أخرى ليست نزهة يقوم بها بحيث ينتقل من مكان إلى آخر بدون أي عمل أو إنجاز، بل قد يكتشف أن بقاءه مع الشركة التي يعمل فيها هو أفضل الخيارات وبالتالي يرتبط بالمكان بقناعته وبمحض إرادته مما يؤدي إلى إنتاجه بشكل أفضل بكثير مما إذا كان يشعر بأنه مجبر على العمل لدى هذا الكفيل ولا يستطيع الانفكاك عنه إلا بمغادرة البلد. إن قلق رجال الأعمال وأصحاب الشركات من إلغاء هذا النظام غير مبرر، خصوصا أن هناك كثيرا من دول العالم لا تعتمد هذا النظام والأمور فيها تسير بشكل جيد. والمشكلة في هذه الفكرة الجديدة تكمن في تغيير طريقة التفكير والتعامل مع العامل، الأمر الذي قد يحتاج إلى بعض الوقت وإلى كثير من أصحاب العقول المتفتحة القادرة على التعامل مع التغييرات الجديدة. سلبيات نظام الكفيل الحالية لا تخفى على أحد، وهي تكمن في بعض جوانبها في احتجاز جواز سفر العامل وما له من آثار سلبية ومعنوية ومادية من عدم التزام بعض الكفلاء بدفع الرواتب التي نص عليها عقد الاستقدام. لجوء بعض الكفلاء إلى الترحيل الإداري للعامل بالإضافة إلى إغراء العامل بنقله من كفيل إلى آخر. وهذه مشكلات مشتركة للكفيل والمكفول قد يعاني منها المكفول أكثر لكنها تؤرق الكفيل أيضا. يجب أن نبدأ العمل بتصحيح أوضاع سوق العمل، وهذه إحدى الخطوات في هذا المجال. وأعتقد أن نجاح الإمارات في نقل الصورة الصحيحة للعالم عن وضع العمال فيها وحقوق العمال في الحصول على مستحقاتهم المالية والحصول على المكان المناسب للعيش وتوفير بيئة العمل الإنسانية عمل يجب الاحتذاء به وتكراره في مجالات مختلفة. ومنذ أيام أشادت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجهود الإمارات في مجال حقوق الإنسان والعمال بشكل خاص. وهذه الإشادة تأتي بعد عمل جاد قامت به كل الجهات المعنية في الدولة كي تعكس الصورة الحقيقية لوضع الإنسان والعامل في الإمارات. كما أن المنظمات الدولية أصبحت ترى أن هناك عملا جاداً تقوم به الدولة من خلال سن القوانين وتنظيم الإجراءات واستحداث المؤسسات التي تحمي حقوق الإنسان والعمال على أرض الإمارات. إن إشادة مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بما قامت به ووصلت إليه دولة الإمارات، يجعلنا نثق بأن الحكومة قادرة على تنفيذ المشاريع وسن القوانين التي تحافظ على حقوق العامل وحقوق أصحاب العمل على حد سواء، وهذا هو الوضع الطبيعي والهدف الذي يجب أن نصل إليه. قد يرى البعض أن القلق من إلغاء نظام الكفيل له مبرراته بسبب الخوف من آثاره الاجتماعية والأمنية على المجتمع... لكن هذه التخوفات مبالغ فيها، خصوصاً من "أرباب العمل" الذين يخشون نهاية عصرهم بعد ضعف سلطتهم على العامل، لكن الحقيقة هي إن البديل هو نظام أكثر مرونة، إلا أنه نظام منضبط، لذا يجب دعم قرار الإلغاء والإسراع في تنفيذ النظام الجديد بالطريقة التي تتناسب ومصلحة الكفيل والمكفول ومصلحة البلدان الخليجية. ويمكن اتباع أسلوب التدرج في الانتقال من مرحلة الكفيل المباشر إلى مرحلة الكفيل غير المباشر وحتى مرحلة اللاكفيل. والمرحلة الوسطى، أي مرحلة الكفيل غير المباشر، يمكن أن تكون من خلال جهة تتبع وزارة العمل تتولى الإشراف على إقامات العمال وحفظ حقوق أرباب العمل والعمال في مرحلة انتقالية قد تستمر لسنتين، أو أكثر أو أقل، إلى أن يطمئن جميع الأطراف أنه ليس ثمة مخاطر قد تؤثر على وضع الشركة أو الوضع الشخصي للعامل.