تعد الفترة منذ سقوط نظام حكم محمد سياد بري في الصومال، فترة شديدة القسوة على الشعب الصومالي والأطراف الدولية التي حاولت الوساطة لإنهاء الصراع الدموي الدائر. وعكست عوامل من قبيل تفريغ الدولة الوطنية الصومالية من محتواها، وسقوط نظام "بري"، وما نتج عن ذلك من كارثة تجلت في الانهيار الجماعي، والعنف، والتهجير، والمجاعة، والتداعي الناتج عن التدخل الدولي الذي انتهى بانسحاب مرير دون إيجاد حل للمشكلة، النفوذ المؤثر لقوى فاسدة تمكنت من السيطرة غير المنضبطة على مقدرات هذا الشعب المنكوب وأرضه. هذه المشكلة المعقدة والجسيمة، استدعت ردة فعل خلاقة من الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين على كافة المستويات. وأخذاً بعين الاعتبار عمق مشكلة الحياة السياسية الصومالية، أتساءل عن السياسات والمبادرات، التي يمكن لها أن تشجع على إعادة الأوضاع الطبيعية إلى الصومال، وما هي الدروس التي يستقيها المجتمع الدولي من ذلك؟ رغم أن المشكلة بدأت بالصوماليين أنفسهم، وأن حلها يكمن في أيديهم قبل أي طرف خارجي آخر، فإن ما يحدث من تناحر شديد لا يفصح عن أن أيا من تلك الأطراف يرغب في حل المشكلة على أساس من التراضي مع الآخرين وتقاسم السلطة والثروة معهم على أسس عادلة ومنصفة يرضاها الجميع. الأوضاع تسير حتى هذه اللحظة من فشل لمبادرة أو مشروع أو اجتماع لقادة المجتمع إلى فشل أكبر منه لمبادرات أخرى، لذلك فإن المراهنة على حلول صومالية صرفة ليست بالأمر الممكن. المشكلة الصومالية الحالية عاكس واضح لمشكلة انهيار الدولة في العالم النامي، وقد أعطت المجتمع الدولي منذ بداياتها الأولى الفرصة لتطوير استراتيجيات وآليات لطرق التحديات السياسية الخاصة بالاستجابة الجماعية لانهيار الدولة الوطنية. إن أكثر العوارض المأساوية لتفتت المؤسسات والأوضاع السياسية في الصومال، هي عدم الولاء للوطن والاقتتال الطائفي والنهب الذي ولد المجاعة والتهجير القسري، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان بما في ذلك فقدان البشر لأرواحهم، والانتهاكات التي تحدث من قبل الأقوياء للضعفاء هي عاكس لمشكلة سياسية أكثر عمقاً، لذلك فإن إعادة هيكلة بنية الدولة السياسية الأساسية ومؤسساتها اللازمة في سبيل إيجاد وضع ملائم، يقود إلى الاستقرار يعد أمراً ضرورياً رغم أنه يبدو معقداً أيما تعقيد. وعليه فإن المسألة الصومالية هي مأساة ذات مستويات متعددة لكل من شعب الصومال والمجتمع الدولي، وهذه المنظومة المكونة من فاعلين يمارسان تنفيذ الأجندات الخاصة بهما دون أن يعطي أي منهما سوى اهتمام بسيط لمسألة أن كليهما يحتلان نفس المرتبة، وبأن تحقيق أهدافهما يتطلب إشراك بعضهما البعض في أية خطوة يراد الإقدام عليها. مسألة يجب أن لا تستمر، بمعنى أن يستمع الصوماليون والمجتمع الدولي إلى ما يقوله الآخر، دون مكابرة إذا كان الطرفان يريدان حل المشكلة. وبعد مرور هذه السنوات الطويلة من الحرب الأهلية، لا يبدو بأن الصوماليين قادرون بمفردهم على الخروج من دوامة العنف والتدمير التي يمارسونها بحق بلادهم. وعلى نفس المنوال لا يستطيع المجتمع الدولي إعادة بناء المؤسسات السياسية أو إدارة عمليات الطوارئ الإنسانية دون شراكة محلية صومالية. هاتان المنظومتان من الفاعلين في المسألة الصومالية، اللتان تتحركان مع وجود دراما مؤلمة تتوارد فصولها بحق الشعب الصومالي منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن، وفشلهما في الاعتراف بأن مصائرهما تتطلب منهما السعي نحو تحقيق هدف مشترك، جعل من جميع المخرجات بمثابة مآسٍ للشعب الصومالي المنسي والمغلوب على أمره.