لطالما عبرت المنظمات الحقوقية الإسرائيلية عن قلقها من تزايد المشاعر العنصرية لدى الإسرائيليين ضد فلسطينيي 48، مؤكدة في تقاريرها العديدة على توجهات متزايدة من المجتمع الإسرائيلي لـ"تشجيع" فلسطينيي 48 على "الهجرة" (أي الطرد الهادئ/ الترانسفير "الناعم" كما يسمونه)، إضافة إلى معارضتها مشاركة الأحزاب العربية في الحياة السياسية باعتبارهم "طابورا خامسا"، محذرة من أن مشاعر الخوف والحقد والعنصرية الإسرائيلية تترجم إلى أفعال، خاصة مع تعاظم قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة الحاكمة. وتؤكد هذه المنظمات الحقوقية أن العنصرية في إسرائيل لا تزال على قيد الحياة، وهي مشكلة الأمس واليوم وغدا، وان إسرائيل بطبيعتها عاجزة عن التحرك ضد أي شكل من أشكال العنصرية بل هي من ترتكبها. هناك ثوابت جوهرية يرتكز عليها الإجماع القومي الصهيوني تتمحور في إجماع يريد إسرائيل دولة يهودية ولليهود -أي يهود إسرائيل ويهود العالم- مع إجماع على عدم العودة إلى حدود 1967، وإجماع على ضم القدس المحتلة واعتبارها عاصمة إسرائيل الأبدية، وإجماع على رفض حق العودة. لذا، ومن بين ثنايا تكوين إسرائيل، المؤسسة على سياسة التفرقة العنصرية، يأتي تقرير صدر في 21 مارس الماضي (الذي يصادف اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري) عن "هيئة مكافحة العنصرية في إسرائيل" يؤكد أن الكنيست الحالية (البرلمان الإسرائيلي) يعتبر الأكثر عنصرية منذ تأسيس الدولة العبرية، حيث يعمل بشكل مكثف وغير مسبوق على اقتراحات مليئة بالتفرقة العنصرية ضد فلسطينيي 48، وهي التي لا تبقي متسعا للشك في مواقفها تجاه هؤلاء. كما أن التقرير الصادر عن مركز "مساواة" و"ائتلاف مكافحة العنصرية"، بالتزامن مع اليوم العالمي ضد العنصرية، يبين أن ارتفاعا نسبته 28 في المئة طرأ العام الماضي على الأحداث التمييزية والعنصرية في "إسرائيل"، حيث وجد معدو التقرير تزايدا في وجهة العنصرية والتمييز في الغالبية الساحقة من المجالات التي جرى فحصها. لكن المعطى الأخطر كان مشاريع القوانين التمييزية التي طُرحت في 2009، إذ يوثق التقرير 21 مشروع قانون عنصريا وتمييزيا طرحت منذ انتخاب الكنيست الحالي. والكنيست الحالي، وهو الثامن عشر في تاريخ إسرائيل، يعج بمنتخبي جمهور يعملون علنا على ضرب حقوق فلسطينيي 48 من خلال مشاريع قوانين تمييزية وعنصرية وتصريحات تحريضية، ووضع هؤلاء في خانة التهديد الديموغرافي والأمني. لذلك يؤكد التقرير أن 2009 شهد ارتفاعاً نسبته 75 في المئة في طرح مشاريع قوانين تمييزية وعنصرية، معظمها يرمي إلى تقويض مكانة المواطن العربي والانتقاص من حقوقه، ويهدّد شرعية مواطنته بلا كلل. وكما يعلم الجميع، فإن أعضاء الكنيست العرب يواجهون ملاحقات وتربصات وحداً من الحريات من قبل ممثلي الأكثرية اليمينية في البرلمان. وتؤدي التهم الواهية والتحقيقات ولوائح الاتهام ضدهم إلى تشويش أدائهم كمنتخبي جمهور، خاصة مع وجود إعلام يحتضن السائرين على درب العنصرية ويقدّم لهم منصة مفتوحة لبث سموم التحريض. ومن الدلائل البارزة على عنصرية الكنيست الحالية، الاقتراح الذي تقدم به وزير الخارجية ليبرمان، الذي يجبر العرب في الكنيست على إعلان الولاء لدولة "يهودية وصهيونية وديمقراطية" قبل تولي مهامهم النيابية. هذا القانون الذي يقضي بتغيير نص اليمين الذي يؤديه أعضاء الكنيست حالياً بحيث يكون يمين الولاء موجها لدولة إسرائيل بإضافة جملة "باعتبارها دولة يهودية صهيونية وديمقراطية والولاء لرموزها وقيمها"، بدلا من الولاء لـ"دولة إسرائيل وقوانينها" كما هو معمول به حالياً. أما أكثرها عنصرية، فهو قانون حظر إحياء النكبة الذي يمس بحرية التعبير بشكل أساسي ويستهدف المواطنين العرب ومؤسساتهم وقياداتهم والذي صادقت عليه الهيئة العامة للكنيست بالقراءة الأولى وينص على "خصم مبالغ معينة من ميزانيات أي جسم يتلقى دعما من ميزانية الدولة إذا صرف هذا الجسم من ميزانيته لتمويل أي نشاط يتضمن: 1 -نفي وجود إسرائيل كدولة يهودية، 2 -التحريض على العنصرية، والعنف أو الإرهاب، 3 -تأييد كفاح مسلح أو نشاط مسلح لدولة عدو أو منظمة إرهابية ضد دولة إسرائيل، 4 -إحياء يوم الاستقلال أو يوم إقامة الدولة كيوم حداد، 5 -تشويه أو تحقير مادي لعلم الدولة أو شعارها". ومن الأمثلة الصارخة على مواقف الكنيست المتطرفة ما أكده رئيسه مؤخراً حين قال "إنه لن تكون هناك أي مفاوضات بشأن مدينة القدس المحتلة في أي مفاوضات قادمة بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والحكومة الإسرائيلية الحالية"، مضيفاً خلال حفل لحزب "ليكود" الحاكم بمناسبة قرب حلول "عيد الفصح" اليهودي: "سيتعين على العالم في نهاية الأمر التسليم بأنه لن تكون هناك مفاوضات حول القدس. كل من يضع القدس على طاولة المفاوضات يطعن في حق إسرائيل في الوجود وفي قيمها". وهكذا، وبجرة قلم، يتم شطب ثلث سكان القدس من أهلها الأصليين: الفلسطينيون العرب. إن ظاهرة العنصرية متأصلة في الفكر الصهيوني وفي إسرائيل، وليست ظاهرة مستجدة. ذلك أن "رأس المستنقع" لهذه الطروحات العنصرية (التي تقود بالضرورة إلى المقارفات العنصرية اليومية في فلسطين) يتجسد في "الفكرة الصهيونية" الأصلية، سواء أكانت عنصريتها "ناعمة" عند "الآباء" مثل (هرتسل) وصحبه، أو "فجة" كما هي عند (جابوتنسكي) ومريديه. وها نحن نراها اليوم تنحدر إلى الأبناء والأحفاد من نوع بيغن الأب وابنه في "ليكود"، أو ليبرمان وتلامذته المتغلغلين في ثنايا حزبه العنصري. وها هو الكنيست يضع ظاهرة العنصرية تحت المجهر وعلى نحو جعل الوجود العربي في فلسطين التاريخية هدفا استراتيجيا إسرائيليا أكثر من ذي قبل. وكما هو متوقع، تنامى هذا الخطر على نحو سرطاني مع نمو التوجهين، القومي العربي والإسلامي، في أوساط فلسطينيي 48، وذلك بـ"فضل" تأكيد الكيان الصهيوني (المتفاقم في توسعيته وعنصريته تحت وطأة تكاثر ونمو أحزابه المتطرفة دينيا وقوميا) على جعل فلسطين -بين النهر والبحر- خالصة لليهود، الأمر الذي قاد ويقود إلى نشوء واستشراء الممارسات العنصرية الإسرائيلية.