لم تحظ قصة بتلك الأهمية المركزية بالنسبة لتاريخ أميركا في القرن الحادي والعشرين مثل قصة صعود أوباما. ورغم ذلك، لم يقم مؤرخ أو صحفي من قبل بتأليف كتاب يتقصى الظروف التي مر بها أوباما، والتجارب التي تعرض لها في حياته، أو يستكشف العوامل التي لعبت دوراً مؤثراً في صعوده المذهل للبيت الأبيض، كما فعل "ديفيد ريمنك"، مؤلف كتاب" مقبرة لينين" الحائز على جائزة بوليتزر للصحافة، ومؤلف الكتاب الذي نعرضه هنا، "حياة وصعود باراك أوباما". فهذا الكتاب يقدم الرواية الأكثر اكتمالا حتى الآن حول قصة والد أوباما، الشاب الكيني الذي كان يعمل راعياً للغنم قبل أن يؤهله تفوقه الدراسي للحصول على منحة للدراسة في جامعة هاواي بأميركا عام 1959. ويحكي الكتاب قص لقاء والد أوباما بوالدته، "ستانلي آن دونهام"، أثناء دراسته في هاواي وزواجهما ثم إنجابهما طفلهما الأول، أوباما الابن، عام 1961. كما يكشف بعض ملامح الأب، ومنها أنه كان زوجاً أنانياً لا يفكر إلا في ذاته، عاش مع زوجته حياة قصيرة مضطربة، ثم انفصل عنها بينما باراك الطفل لا يزال في الثانية من عمره. وحاول الالتحاق بعد ذلك بجامعة هارفارد وفشل، فتخلى عن ابنه وقرر العودة إلى بلده كينيا حيث عمل مستشاراً للحكومة الكينية. وبدلا من أن يتحول إلى بطل قومي أو قائد مرموق في دولته الحديثة العهد بالاستقلال، كما كان يأمل عندما سافر إلى أميركا، اكتشف أن هذا السفر والانفتاح على نمط الحياة الغربية قد خلق حاجزاً نفسيا بينه وبين بني جلدته، فلم ينجح في الانسجام والتناغم معهم، وقد أصبح رجلا متعالياً غير مستعد لسماع الآخرين ولا لبذل جهد من أجل إقناعهم بوجهة نظره. وكان طبيعياً أن يفشل في تحقيق أحلامه وطموحاته، وأن تنتهي حياته في حادث سيارة مأساوي عام 1982، دون أن يرى ابنه الذي هجره في أميركا وهو في الثانية من عمره، سوى مرة واحدة فقط يصفها باراك بأنها لم تكن بالتجربة السعيدة على الإطلاق. ويتحدث الكاتب أيضاً عن والدة أوباما التي تفرغت بعد طلاقها من والده لتربية طفلها وبناء مستقبلها المهني كباحثة متخصصة في الأنثروبولوجيا. ويورد ما يقوله أوباما من أن والدته كان لها التأثير الأكبر على حياته، وأنها لم تقصر في رعايته حتى عندما انتقلت من هاواي إلى إندونيسيا كزوجة لرجل إندونيسي، عندما كان أوباما طفلا في السادسة من عمره، لتعيش وتستكمل رسالتها للدكتوراه، لكنها توفيت متأثرة بالسرطان قبل أن تنهي الرسالة. يحكي المؤلف أيضاً أن أوباما بعد أن عاش مع والدته وزوجها الإندونيسي أربع سنوات في إندونيسيا، عاد إلى هاواي للعيش مع جده وجدته الأميركيين، وأكمل دراسته الثانوية العليا ودخل جامعة كولومبيا في نيويورك، حيث درس العلوم السياسية، وبعدها انتقل إلى مدينة شيكاجو وعمل بإحدى الهيئات المحلية مدة ثلاث سنوات ونصف، وانتقل عام 1988 إلى جامعة هارفارد المرموقة لدراسة القانون، وبعد تخرجه منها كان أول إفريقي يتولى منصباً مرموقاً في ذات الجامعة. ويستكمل المؤلف السيرة فيقول إن أوباما عاد بعد ذلك إلى شيكاجو وتمرس في مهنة المحاماة وتخصص في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية. وكان أغلب زبائنه من ضحايا التمييز في العمل والسكن، ثم تولى منصب السيناتور في مجلس ولاية ألينوي بين 1996 و2004. وبعد أشهر قليلة من فوزه بمقعد في مجلس الشيوخ الفيدرالي عن ألينوي، أصبح نجماً إعلاميا وواحداً من أكثر الشخصيات شعبية في العاصمة واشنطن. وكان أوباما الإفريقي الوحيد بين أعضاء مجلس الشيوخ المئة، وخامس أميركي من أصول إفريقية يدخل مجلس الشيوخ. ثم يتعرض الكتاب لتعرف أوباما على محامية أميركية من أصل إفريقي أيضاً تدعى ميتشيل، ولزواجه منها وإنجابهما بنتين، ثم إقدامه على قرار مثير بترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي الذي كانت حملته الانتخابية التمهيدية في 2008، تاريخية وفريدة من نوعها، حيث ضمت للمرة الأولى امرأة بيضاء هي هيلاري كلينتون وسيناتور من أصل إفريقي هو باراك حسين أوباما. ويتحدث المؤلف بعد ذلك عن الاستراتيجية التي اتبعها أوباما للوصول للبيت الأبيض، وكيف نجحت تلك الاستراتيجية التي ركز فيها على الولايات التي تستخدم نظام الاجتماعات الانتخابية الحزبية بدلاً من الانتخابات التمهيدية العامة، وعلى الولايات الأصغر حجماً التي كانت تدلي بأصواتها تقليدياً لصالح الحزب الجمهوري، وكيف صعدت شعبية المرشح الأسمر، صاحب القدرات الخطابية الفذة والكاريزما الطاغية، والذي لامس قلوب الأميركيين من خلال خطابه عن التغيير والمسؤولية الاجتماعية والقيم المعنوية... ليكون خير تعبير عن روح التغيير الذي يتطلع إليه الأميركيون. سعيد كامل الكتاب: الجسر: حياة وصعود باراك أوباما الكاتب: ديفيد ريمنيك الناشر: نوبف تاريخ النشر: 2010