يحظى موضوع المواطنة بإثارة إعلامية في الكويت، لاسيما خلال المرحلة الحالية حيث يحتل أهمية بالنسبة لوسائل الإعلام وكأننا صحونا فجأة وأدركنا مفهوم المواطنة لأول مرة باعتباره مفصليا ولا غنى عنه لإحداث نقلة في حياة المجتمع! المواطنة وما يرتبط بها من مفهومي الولاء والانتماء، تم تغييبها لعقود طويلة، لأن النظام السياسي بمفهومه العام أغفل أهمية تنمية مفاهيم تشكل ضرورة قصوى لتكوين الدولة الحديثة. ويبدو أن الاهتمام الإعلامي الحالي لا يعكس توجهات واقعية بقدر ما هو محاولة تقع ضمن تصورات تقليدية تهدف إلى إثارة زوبعة اجتماعية وحالة من الصدام بين فئات المجتمع ومكوناته. وبكل تأكيد هناك ضبابية في توجهات العمل السياسي، ولم تعد الحكومة وحدها مسؤولة عن حالة التدهور العامة، وكذلك مجلس الأمة لم يعد هو أيضاً ذلك المجلس الذي كنا نتمناه، كما أن القوى السياسية تعيش هي أيضاً حالة من التخبط بسبب طغيان المصالح الشخصية وتداخلها... لذلك فالحالة العامة هي نتاج لتراكمات مشتركة. إذن أي مطالبة بالإصلاح السياسي تشكل ضرورة في هذه المرحلة لإعادة الحيوية للمجتمع؟ ربما علينا أن نواجه مجموعة من الحقائق التي لا مفر من التعامل معها، ومنها التعددية الاجتماعية في المجتمع. فالكويت ليست فريدة من نوعها، وإنما هي حالة عامة لكل المجتمعات البشرية، والتعامل معها يجب أن يكون وفق رؤية عقلانية. وهنا نستذكر أن غياب الرؤية العامة لمسار المجتمع لم تحظ بأولوية، ومن ثم كان التخبط والعمل وفق منطق رد الفعل الآني علامة للمرحلة التي نعيشها. ولعلنا نعي أن التعددية الاجتماعية تحتاج إلى محاولات جادة لإنضاجها كي تتحول إلى قوة دافعة للتطور نحو الخير العام الذي يجمع كل أطياف المجتمع. والسياسات العامة التي انتهجناها هي المسؤولةالى حد كبير عن تقلص مساحات المشترك بين المواطنين، والتحول نحو الأطر التقليدية كحالة طبيعية عندما يغيب ذلك المشترك الذي نسميه الهوية الجامعة، لأن من يصنع السياسات يرى في تعلية المشترك إضعافاً له. وينقلنا ذلك للحقيقة الثانية، وهي أن انصهار التنوع الاجتماعي لا يشكل خطورة أو عامل إضعاف، بل يمنح قوة لصانع القرار حيث العقد الاجتماعي هو ما يحكم تاريخنا. ولعل نموذج التعاطي مع احتلال عام 1990 يجسد هذه الحقيقة. أما الحقيقة الثالثة، فهي أن المجتمعات البشرية تتطور وفق قوى طبيعية وقوى مصطنعة، فالقوة الطبيعية تسهم في تغير شكل المجتمع وتركيبته، لذلك فإن بناء القوة يجب أن يفهم في أي مجتمع وفق حقائق التاريخ. وفي الكويت لدينا حالة سيكولوجية في قبول التباين الاجتماعي، لكن علينا أن تفهم طبيعة التحولات الاجتماعية من حيث نشوء قوى صاعدة جديدة لها حقوق وعليها واجبات. وفي الحالة الكويتية هناك خوف من التغير، وتردد لدى الفئات الاجتماعية في قبوله؛ سواء أكان نتاجاً لفرز طبيعي أو اصطناعي. ولعل كسر حاجز الخوف هو ما يشكل لنا ضرورة في هذه المرحلة لإعادة صياغة الهوية الوطنية الجامعة. تطبيق القانون وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، هما المخرج السلمي لمواجهة العثرات، وليس الهروب من المواجهة لكوننا لا نملك حق الاستفراد بفرض الهيمنة لفئة على حساب المكونات الاجتماعية الأخرى. الانقسام الاجتماعي ليس حالة فريدة عندنا، بقدر ما هو حالة عامة أنتجتها الهزة النفسية للتقنية العالمية المتشكلة بثقافة العولمة التي دفعت الكثير للانطواء تحت راية الهويات المنقسمة؛ كالطائفة والقبيلة والعائلة. لو فهمنا الحالة النفسية الدافعة للإنسان نحو اللجوء لأطره التقليدية، لتجاوزنا الشحن ضد الآخر، وفهمنا ضرورة إحياء المشروع الوطني للدولة باعتبارها القوة الجامعة والحامية لكل الفسيفساء الاجتماعي لمجتمعنا.