تحديات ما بعد قمة "النووي" في واشنطن... ومفاجأة تسمى "كليج" في لندن! حلم أباما بعالم خالٍ من الأسلحة النووية، وتعقيدات العلاقات الأميركية- الصينية، والاختراق الذي حققه زعيم الديمقراطيين الأحرار في بريطانيا، موضوعات ثلاثة حضرت بقوة في صفحات رأي الصحف الفرنسية. عالم خالٍ من "النووي" ما زالت الصحف الفرنسية تسجل بقوة ردود الفعل على حصيلة قمة الأمن النووي التي استضافتها واشنطن مؤخراً، وقد رصدت صحيفة لوموند بعض التحركات الأميركية الأخيرة ذات الصلة رابطة خلفياتها بدعوة الرئيس الأميركي المتجددة إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية. وفي هذا الإطار سجلت الصحيفة دلالة التزامن الملفت بين كشف الإدارة الأميركية "الديمقراطية" في 6 أبريل الجاري عن عقيدتها النووية الجديدة، ثم توقيع أوباما مع مدفيديف بعد ذلك بيومين على اتفاقية "ستارت2" للحد من الأسلحة النووية، وصولاً إلى انعقاد مؤتمر الأمن النووي في واشنطن خلال يومي 12 و13 أبريل الجاري، تمهيداً لاستضافة نيويورك الشهر المقبل لمؤتمر التحقق من الالتزام باتفاقية عدم الانتشار النووي. غير أن الصحيفة تري أن ثمة أسئلة عديدة، بالغة الوجاهة، يثيرها، مع ذلك، مراقبون مختصون، مؤداها التشكيك في جدوى وفاعلية كل هذه التحركات، وفي إمكانية تكشفها عن تحقيق هذا الحلم الذي طالما راود الأجيال منذ ظهور السلاح النووي في نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي السياق ذاته في صحيفة لوموند أيضاً كتبت "كارولين فوريه" تحليلاً سياسياً آخر استعرضت فيه آفاق الممكن والمتعذر في الحلم المتعلق بعالم خالٍ من الأسلحة النووية، مشيرة هي أيضاً إلى صعوبة تحقق هذا الحلم، وإلى بعض تعقيدات ومطبات الطرق التي يمكن أن تؤدي إليه أصلاً، وذلك لأن القضايا الاستراتيجية لا تكفي قوة الخيال أو الحلم وحدها لإنضاجها. تماماً مثلما أن التاريخ ليس بالضرورة مشروعاً ميكيافيلياً، يمكن أن يشتغل عليه رجل واحد أو بلد واحد، بل إنه حزمة معقدة من تفاعلات صراع المصالح والإرادات بين الدول. والشاهد في كل هذا أن أوباما يستطيع توقيع اتفاقات ذات صلة مع من يرغب بهدف منع الانتشار النووي، ولكنه لا يملك إرغام بقية الأطراف الأخرى إذا لم ترغب في ذلك. ولذا فإن المصالح وحدها هي ما يمكن أن يدفع الصين مثلاً إلى تحمل مسؤولياتها كقوة دبلوماسية صاعدة على المسرح الدولي، بما في ذلك التجاوب مع المساعي الغربية ذات الصلة بإصدار عقوبات على إيران. ومنطق المصالح هذا هو وحده أيضاً ما يمكنه دفع بكين في عكس هذا الاتجاه بالنظر إلى حاجتها الماسة إلى النفط الإيراني. وحتى إذا افترضنا أن الصين انصاعت في النهاية للضغوط، والتزمت بالعقوبات، فماذا بعد؟ يبقى احتمال مطروح، تقول الكاتبة، ألا تؤدي العقوبات إلى الغايات المرجوة، هذا إن لم تدفع إلى نتائج عكسية. الشراكة الصينية- الأميركية في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو قال الكاتب بيير روسلين إن نجم قمة الأمن النووي، التي انعقدت مؤخراً في واشنطن، كان الرئيس الصيني "هو جينتاو" دون منازع، وذلك لأسباب كثيرة، ليس أقلها أن حضوره للقمة لم يكن مؤكداً حتى أسبوعين فقط من موعد انعقادها، بسبب التجاذبات الأخيرة الحادة بين واشنطن وبكين على حزمة قضايا مثل صفقة تايوان واستقبال الدالاي لاما وقضية جوجل، وأيضاً بالنظر إلى الشد الاقتصادي بين الطرفين على خلفية المطالبات الأميركية برفع قيمة العملة الصينية "اليوان". ولذا اعتبر المراقبون أن لقاء "جينتاو" وأوباما كان هو لحظة الذروة الحقيقية في أعمال القمة المذكورة. وقد قيل إن الزعيمين استعرضا السبل الكفيلة بالحيلولة دون وقوع أسلحة نووية في أيدي الإرهابيين من هنا وحتى سنة 2014. ولكن موضوعاً فنياً كهذا كان يمكن بحثه على مستوى الخبراء الفنيين من الطرفين، يقول الكاتب. ومع ذلك فإن انتقال كل هذا العدد من الزعماء ورؤساء الحكومات إلى واشنطن يعطي أوباما، على كل حال، زخماً جديداً على المسرح الدولي، بعد أن استغرقته السياسات الداخلية بفعل صراعه مع خصومه الحزبيين على تمرير قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية. وفي موضوع الأمن النووي تحديداً لاشك أن الملف الأكثر إلحاحاً، من وجهة النظر الأميركية، كان الملف النووي الإيراني، ولذا تركز الجزء الأعظم من النقاشات في القمة على مسألة العقوبات. وهنا من المعروف تقليدياً أن بكين تعارض فرضها، وإن كانت قطعت خطوة بقبولها الحديث عن تلك العقوبات. وهي لذلك تجد نفسها الآن أمام خيارين صعبين يقتضيان منها المفاضلة بين صورتها وعلاقاتها مع الغرب من جهة، ومصالحها وعلاقاتها مع طهران من جهة أخرى. ويبدو أن الصين تريد الآن الاشتغال على تحسين صورتها الدولية وخاصة إذا تذكرنا حجم الضرر الذي لحق بها بعد تحميل كثيرين لها مسؤولية فشل قمة المناخ الدولية في كوبنهاجن نهاية العام الماضي. وهنا، مفهومٌ أنها لن تضحي بمصالحها الحيوية، وإن لم تتجاهل ضرورة امتصاص الامتعاض لدى بعض القوى الدولية من صعودها الراهن كقوة اقتصادية كبرى متنامية التأثير. بل إن تداعيات الأزمة العالمية زادت صعودها وزادت أيضاً مشاعر الامتعاض تلك. وأكثر من هذا قوّت الأزمة حساسية ومصيرية الترابط الاقتصادي بين أميركا والصين، بشكل جعل البلدين يتوليان ما يشبه الحكامة الاقتصادية الدولية القائمة في الواقع. وعلى رغم كل هذا، يقول الكاتب روسلين، إنه لم يكن متوقعاً من جينتاو أن يقدم الكثير من التنازلات في واشنطن. وأقصى ما كان متوقعاً هو تأكيد العمل من أجل تحفيز استمرار النمو الصيني، الذي أصبح هو الضامن لعدم حدوث انهيار كبير. وزيادة على هذا لاشك أن أوباما كان حريصاً بشكل خاص على تلقي ضمانات بأن الصين ستستمر في تمويل العجز المالي الأميركي المتفاقم. ولو توقفت الصين عن النهوض بأعباء مثل هذه المهام الدولية فستكون تلك كارثة حقيقية على الاقتصاد العالمي بحجم القنبلة النووية الاقتصادية، التي لاشك أن أوباما وجينتاو سعيا دون هوادة من أجل تلافي انفجارها. بريطانيا ومفاجأة "كليج" ضمن اهتمامها الكبير بالحملة الانتخابية الجارية هناك على الجانب الآخر من بحر المانش وصفت صحيفة لومانيتيه مناظرة زعماء الأحزاب البريطانية الكبرى الثلاثة التي جرت مساء الخميس الماضي بأنها تكشفت عن فائز وحيد هو "نك كليج" زعيم الحزب الليبرالي- الديمقراطي، بحسب ما أجمعت عليه استطلاعات الرأي التي أجريت بعد المناظرة التلفزيونية مباشرة. والنتيجة هي أن هذا السياسي الشاب، ذا 42 سنة، الذي يقود ثالث أكبر حزب في بلاده، قد يجد نفسه خلال الشهر المقبل في موقع الحكَم القادر على تحديد من سيدخل مقر رئاسة الحكومة البريطانية في "10 داونينج ستريت" إذا لم يتمكن أي من الحزبين الكبيرين "العمال" و"المحافظين" من حصد أغلبية مطلقة خلال عملية اقتراع 6 مايو المقبل. وهذا التقييم هو ذاته ما ذهبت إليه صحيفة ليبراسيون في تغطيتها هي أيضاً للمناظرة مشيرة إلى أن "كليج" الذي لم يكن معروفاً بما فيه الكفاية لدى الجمهور العريض حقق اختراقاً استثنائياً، وخرج منتصراً بشكل لا لبس فيه من هذه المناظرة التلفزيونية التي تعد الأولى في التاريخ السياسي البريطاني. وقد كشف استطلاع رأي أجري مباشرة بعيد المناظرة على عينة من 4032 شخصاً أن 43 في المئة منهم اعتبروا أن "كليج" هو الفائز بالمناظرة مقابل 26 في المئة لصالح زعيم "المحافظين" ديفيد كاميرون، و20 في المئة لرئيس الوزراء جوردون براون. وتستشهد ليبراسيون على صحة ما ذهبت إليه من تأكيد للاختراق السياسي الذي حققه "كليج" بإيراد فقرات واقتباسات منتقاة من أعمدة بعض أبرز كتاب صفحات الرأي في الصحف البريطانية. إعداد: حسن ولد المختار