إسرائيل مارقة، ويمكن القول إنها دولة "متسللة" وفق تصنيفها لعدد من الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية الذين بدأ طردهم في أخطر عملية "ترانسفير". الظاهرة الأخطر من نتائجها حتى الآن أنها تنسجم مع خطة تهويد الأراضي. فهي تنقل هؤلاء من الضفة إلى جهات مجهولة. لا تريدهم في الضفة. ولا تريدهم في غزة. وإذا أرادت بعضهم في غزة، فلخلق المزيد من المشاكل الاجتماعية والأمنية والسياسة نظراً للأسباب الاجتماعية الحياتية الاقتصادية، أوالأسباب الأمنية التي اضطرتهم إلى الذهاب إلى الضفة. والبعض الآخر يحمل جنسيات غير فلسطينية ومطلوب معاقبته، لأنه يؤيد الحق الفلسطيني ولا بد من طرده، لأنه، من وجهة النظر الإسرائيلية، لا حقوق للفلسطينيين على أرضهم، ولا اعتراف بحقوق الإنسان عموماً، وبالشرعية الدولية وقراراتها، وبشرائع الأديان والأمم، في القاموس الإسرائيلي. هذه هي إسرائيل... تعامل الفلسطينيين البشر مثل البضائع أحياناً، ولا تعترف بشهادة المنشأ، وكل شيء عندها قابل للتزوير، وهي تتسلل إلى كل شيء لافتعال الفتن وممارسة الإرهاب. وفي الوقت ذاته يعلن وزير الخارجية "المتسلل" أفيجدور ليبرمان أن حكومته ستستمر في البناء في القدس، ويدعو الرئيس الأميركي إلى الكف عن محاولة التدخل في هذا الموضوع! صحيح أن ثمة أزمة بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، لكن الصحيح أيضاً أن الإدارة تغطي حتى الآن عملياً إستراتيجية الحكومة، ولا تتخذ مواقف عملية تدفع إلى تعديلها أوالحد من سرعتها على الأقل، وهذا ما هو ثابت على الأرض. ففي مجال آخر، ومن أجل افتعال المزيد من الأزمات، والتغطية على عملية الاستيطان، وإبعاد الأنظار عن الأزمة مع واشنطن، افتعلت الحكومة الإسرائيلية مشكلة جديدة. إنهم يتهمون السلطة الفلسطينية بالتحريض ضد إسرائيل و"تمجيد "الإرهابيين عبر تسمية شوارع بأسمائهم، وهذا يعيق عملية السلام في نظرهم! والقصة بسيطة، قررت بلدية رام الله وبلديات أخرى إطلاق أسماء رموز وشخصيات فلسطينية وعالمية مناضلة من أجل الحرية والديمقراطية والتقدم والاستقلال مثل مانديلا وعبد الناصر وديجول وراشيل كوري، وجورج حبش وخليل الوزير ويحيى عياش وادوارد سعيد ومحمود درويش وأبو علي مصطفى ودلال المغربي وغيرهم، وأسماء قرى دمّرها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948. قررت البلديات إطلاق هذه الأسماء على شوارع معينة فيها. قامت قيامة إسرائيل. وافتعلت أزمة وحرضت ضد السلطة الفلسطينية. هذا أمر محرّم! ممنوع ذكر هذه الأسماء. هذا الأمر يزرع في ذاكرة الناس صورة عن القهر الإسرائيلي والإرهاب الذي مورس ضد الفلسطينيين، ولا يجوز التذكير بمآسيهم ومعاناتهم وحقوقهم! مواطنون فلسطينيون وناشطون أجانب، وإعلاميون من مؤسسات مختلفة قالوا: "يتركون الاستيطان والاحتلال، ويأتون إلى رام الله للبحث عن أسلحة دمار شامل في اسم شارع". والناطق باسم الخارجية الأميركية "فيليب كراولي" أيد الموقف الإسرائيلي عندما قال: "الولايات المتحدة تدين بشدة تمجيد الإرهابيين من جانب السلطة الفلسطينية سواء من طريق التصريحات الرسمية، أو من خلال إطلاق أسمائهم على الأماكن العامة. هذا يضر بجهود السلام. ويجب أن يتوقف"! وأضاف في موقف وقح وداعم للتهويد في القدس: "إن الولايات المتحدة منزعجة من تصريحات مسؤولي السلطة الفلسطينية عن إعادة إعمار، وتأهيل المواقع اليهودية في الحي اليهودي من مدينة القدس القديمة"! ليس في الأمر غرابة أيضاً. فأميركا دولة بلا تاريخ، بلا حضارة، بلا رموز. ودولة بلا قيم إنسانية، عندما نتطلع إلى سجلها في التعاطي مع حقوق الشعوب والأمم، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. دولة لم تمارس إلا القمع والإرهاب في الخارج، وسجلها القديم والحديث من فيتنام، إلى هايتي، إلى أفغانستان والعراق وفلسطين، وغيرها وغيرها – يدل على ذلك. اسم شارع يهدد العملية السلمية. أما تدمير وجرف قرى فهو قمة السلام والحرص على الأمن والاستقرار! اسم شارع "يهدد" العملية السلمية، أما الاحتلال والاستيطان والطرد والتهجير والقتل الجماعي والحصار، فينمّي روح المحبة ومشاعر الودّ والاحترام ويسهّل التفاهم! الترسانة النووية الإسرائيلية، وأسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية وكل الأسلحة الأميركية في إسرائيل، لحماية العملية السلمية. أما الحجر الفلسطيني – والمنجنيق الفلسطيني، والنفق الفلسطيني المظلم فهو يهدد الأمن العالمي! وفي جانب آخر متصل، وفي الأسبوع ذاته، نتنياهو يلغي زيارته إلى واشنطن، ولا يشارك في القمة النووية ليس تفادياً "للخلاف" كما قيل مع إدارة أوباما، وهو لم يعطها جواباً بعد على بعض المطالب، بل غياب " استراتيجي"، بمعنى غياب يصب في خانة الإستراتيجية الإسرائيلية المغطاة أميركياً، وهي "استراتيجية الغموض النووي". لا يريد المشاركة كي لا يستغل حضوره، وتقوم ضجة في وجهه تطالبه بوقف المشروع النووي والكشف عن حقيقته في ظل السعي إلى اتفاق دولي وتوجه لإزالة أسلحة الدمار الشامل، والسعي الأميركي للاتفاق على موقف موحد من المشروع النووي الإيراني! وقد أعلن "داني أيالون" نائب وزير الخارجية الإسرائيلية أن "نتنياهو تلقى تطمينات من وزارة الخارجية الأميركية بأن مسألة الترسانة النووية الإسرائيلية لن تكون قيد البحث في المؤتمر". وكان نتنياهو خلال ولايته الأولى بين عامي 1991 و 1996، قد حصل على تعهد كلينتون، بأن تحافظ الولايات المتحدة على قدرات إسرائيل الردعية الإستراتيجية المتمثلة ضمن أشياء أخرى في الإبقاء على سياسة الغموض النووي، وأن تضمن أميركا بألا تمس المبادرات الدولية المختلفة للرقابة على الأسلحة النووية بهذه القدرات. وأوضح نتنياهو في حينه بأن إسرائيل لن تنضم إلى مبادرة أميركية لصوغ معاهدة جديدة تقود نحو تجميد إنتاج البلوتونيوم تحت الرقابة. مَن يردع إسرائيل إذاً؟ وأين أميركا فعلياً؟