التأمَ بالدوحة في يومي 4 و5 أبريل الجاري اجتماع إقليمي لإطلاق حملة نداء من أجل المواطنة بتنظيم من "المؤسسة العربية للديمقراطية" التي تتخذ من الدوحة مقراً لها. وقد التأم بحضور مشاركين ونشطاء حقوقيين من بعض الأقطار العربية توزعوا في مجموعات عمل: إعلامية، وشبكة العمل الميداني، وهيئة دعم حركة المواطنة (سفراء المواطنة). ويأتي هذا الاجتماع ثالثاً لاجتماعين سابقين عقدا تحت نفس الشعار في كل من تونس (2008) والرباط (2009). وقد صيغ نداء المواطنة على مرتكزات أساسية تضمن سواسية البشر دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو الطائفة أو المذهب أو اللون أو العنصر أو الأصل الاجتماعي أو الانتماء العقائدي والسياسي وغيرها من أشكال التمييز التي تمارس فعلياً في بعض الأنظمة العربية. وكان من ضمن مرتكزات النداء: أن المواطنة لا تتحقق إلا بضمان المشاركة في خدمة الشأن العام من خلال صيغ ديمقراطية، في ظل نظام يقوم على مبادئ الفصل بين السلطات وسيادة القانون واستقلال القضاء. كما أشار إلى أهمية العقد الاجتماعي والتوزيع العادل للثروات وتكافؤ الفرص، ومعالجة الفقر ومناهضة الفساد والاستبداد واعتبار التنمية المستدامة وحماية البيئة من المهام التي لا تقبل التأجيل، انطلاقاً من كونها حقاً أساسياً من حقوق الإنسان. ولم تفت واضعي النداء أهمية حرية الرأي والتعبير والمعتقد ورفض كل محاولات تقييدها. وكان نص العريضة يقول: "أطالب بحقي في مواطنة غير منقوصة تضمن واجبي في المشاركة الحرة والفاعلة والسلمية في إدارة الشأن العام دون تمييز لأي سبب كان". إن العديد من مواطني العالم العربي يتعرضون لأشكال عدة من انتهاكات حقوق المواطنة؛ سواء على صعيد أعمالهم أو معاشهم أو واجبهم في المشاركة في خدمة الشأن العام. ولقد احتكرت الدولة المواطنة، في بعض الحالات العربية، وخلطتها ضمن ما خلطت من أمور مع الوطنية! فصار أحياناً أن ألزم المواطن بضرورة التمسك بالقوانين، ووضع الزواجر والنواهي، دون السماح له بالمطالبة بالحقوق! وساهم تلاقي المصالح مع القريبين من السلطة في ترسيخ "بطريركية" الدولة. وصارت المطالبة بالتحول المدني أو حتى الحقوق، أو محاولة تحسين ظروف المعيشة للمواطن عبر المؤسسات المدنية خروجاً على "تقاليد" الدولة ، وصار حساب كل من يحاول التحديث الأكاديمي أو الإداري أو المالي أو الاجتماعي هو الإقصاء! ويلاحظ في مسيرة بعض بلدان المنطقة أن مستقبل هذه البلدان يخطه النظام، وقد لا يشارك فيه المواطن! وصار المواطن يقبل القرار دون نقاش، وإن أنشئت مجالس شوروية في بعض الدول، فإنها تكون أحياناً محدودة الدور حيث تبدي أساساً الرأي فيما تحيله إليها الجهات التنفيذية. بل إن بعض هذه المجالس لم تكن تمثل جمهور الشعب في جميع فئاته، بقدر ما كانت تمثل بعض نخب النافذين، وهذا بالطبع مخالف للمواثيق الدولية، ولعل أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966). ويتضمن هذا الأخير في قسمه الأول: "1- لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير، ولها -استناداً لهذا الحق- أن تقرر (بحرية) كيانها السياسي وأن تواصل (بحرية) نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. 2- لجميع الشعوب، تحقيقاً لغاياتها الخاصة، أن تتصرف (بحرية) في ثرواتها ومواردها الطبيعية دون إخلال بأي من الالتزامات الناشئة عن التعاون الاقتصادي الدولي، القائم على مبادئ المنفعة المشتركة، والقانون الدولي. ولا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان شعب ما من وسائله المعيشية الخاصة". أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) فلقد نص بكل وضوح على حرية الأفراد وعدم التمييز بينهم، وتمتع كل إنسان بكافة الحقوق والحريات الواردة في الإعلان دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر. أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وتأتي حملة النداء من أجل المواطنة في المنطقة العربية منسجمة مع تلك المبادئ والمواثيق الدولية، التي أقرتها ووقعت عليها الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة. ولكن للأسف فإن ممارسة المواطنة -الواضحة في تلك المواثيق- ظلت مهملة. بل إن بعض الأنظمة العربية قد وضعت مواثيق للتعامل مع أي شخص يحاول التذكير بالمبادئ الأساسية الواردة في تلك المواثيق، وتعتبر ذلك خروجاً "على رأي الجماعة"! لذلك، فإن شعار الحملة (البصمة.. وواجب المواطنة حقي) يأتي تعبيراً محدداً في أحقية قيام المواطن بواجبه في مواطنته، قبل أن تكون المواطنة حقاً! وهي صياغة ذكية، تخرج عن أدبيات اللغة وبديعها، لتصب بكل اختصار في إيضاح دور المواطنة كحق في ممارسة الواجب. ولا يجوز تعطيل هذا الحق من أية جهة كانت. إن ملايين العرب مدعوون للتوقيع على حملة النداء هذه من أجل تحريك المياه الراكدة ورفض كل أشكال النمطية الإدارية واستغلال الوقت الخاص بتاريخ المواطنين وأقدارهم، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية عبر تشريعات محلية غير مناسبة، وخصوصاً أن التوقيعات سوف ترفع إلى القمة العربية العادية، كي يستمع القادة العرب -ولربما لأول مرة- إلى نبض الشارع العربي في مسيرته وحياته اليومية. إن المبادرة تستحق التشجيع والمؤازرة. ودون مبادرات كهذه سيستمر حرمان الشعوب من حقوقها الأساسية؛ وتستمر التفرقة بين البشر على أساسات ومرتكزات مجحفة، وسيستمر القهر والظلم والاستحواذ على مقدرات الشعوب دون أن يكون لها رأي في ذلك.