يبدو الشأن النووي هذه الأيام طاغيّاً على ما عداه. ففي الأسبوع الماضي أعلن أوباما عن "مراجعة الموقف النووي" لبلاده وللمرة الثالثة منذ عام 1994 مرسخاً ما يعرف الآن بـ"مبدأ أوباما" النووي، الذي تسعى الإدارة الأميركية من خلاله لجعل امتلاك السلاح النووي أمراً غير مرغوب، وهو ما يمثل انقلاباً على مبدأ بوش، وخاصة مع تعهد إدارة أوباما بعدم توجيه ضربات نووية إلى دول غير نووية حتى إذا اعتدت على الولايات المتحدة بهجوم تقليدي كبير، وكذلك عدم استخدام السلاح النووي ضد الدول الموقعة على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية. واستثنت المراجعة إيران وكوريا الشمالية و"القاعدة". وكذلك تعهدت واشنطن بعدم إنتاج أسلحة نووية جديدة، أو تجربتها. وفي تراجع كلي للمخاوف التي طغت على المشهد الدولي في حقبة الحرب الباردة لم يعد التهديد النووي ضمن العقيدة الدفاعية الأميركية، وإن بقي مصدر التهديد الحقيقي للأمن القومي الأميركي هو من الإرهاب النووي ومن الانتشار النووي في أيدي الدول والمنظمات المارقة والمعادية للولايات المتحدة. وكان الحدث الثاني ذو الخلفية النووية هو توقيع أوباما مع ميدفيديف في براغ الخميس الماضي على معاهدة تاريخية هي الأهم منذ عقدين (START II) وتعهدا خلالها بخفض الترسانة النووية لكل دولة بنسبة الثلث من 2200 إلى 1550 رأساً نووياً، مع بناء الثقة، والتأكد من عدم الخداع أو الغش بين الدولتين اللتين تمتلكان فيما بينهما 90 في المئة من الترسانة النووية في العالم. وقد وصفت المعاهدة بأنها تمثل مكسباً للطرفين وتحافظ على الاستقرار الاستراتيجي وتوازن المصالح بينهما، وترتقي بالعلاقة بينهما، وتدفع للتعاون في قضايا أخرى أبرزها ملف إيران (التي تسعى واشنطن خلال الشهرين القادمين لتحفيز الدول الفاعلة في النظام العالمي وعلى رأسها روسيا والصين للتصويت على نظام عقوبات صارم ضدها)، وكذا ضد الدول التي تهدد الأمن العالمي بسبب سعيها لامتلاك أسلحة نووية. ولكن التحدي الحقيقي اليوم هو الكيفية التي سيقنع بها أوباما مجلس الشيوخ الأميركي بالمصادقة على هذه المعاهدة التاريخية؟ ولهذا دعا أوباما اليوم الاثنين أكثر من 40 دولة للمشاركة في قمة "الأمن النووي" في واشنطن، وهو الحدث الثالث ذو الصلة بالشأن النووي، المسجل خلال أسبوع، وذلك للمداولة في كيفية التعاون لمنع المواد النووية، ومنع الخبراء النوويين من تقديم خدماتهم وخبراتهم للأنظمة والمنظمات التي تهدد الأمن والسلم بهدف ضبط ما يسمى loose Nuke أي المواد النووية، لتوضع تحت رقابة مشددة خلال الأعوام الأربعة القادمة للحيلولة دون وقوع ما تسميه واشنطن "الإرهاب النووي". ولأن نتنياهو يعلم بأن الدول الإسلامية، وعلى رأسها مصر وتركيا، ستحاصره في واشنطن حول ترسانة إسرائيل النووية ووجوب التزامها بالمعايير الدولية، وضرورة توقيعها على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) لذلك فضل الهروب والاعتذار وعدم تلبية دعوة أوباما، في مظهر آخر من مظاهر تراجع العلاقة بين البلدين. وقد شبع العرب والعالم طبعاً من غموض إسرائيل النووي التي يعلم الجميع أنها تمتلك ترسانة نووية تصل إلى 200 رأس، على رغم السكوت الدولي عنها، مع أنها دولة في كل تصرفاتها مارقة وتخالف القانون الدولي وتهدد الأمن والسلم العالميين. أما الحدث الرابع بخصوص النووي فسيكون في نيويورك في مايو القادم لمراجعة تطبيق اتفاقية الحد من الانتشار النووي والعمل الفعال لتطبيقها وإقناع الدول غير الموقعة بالانضمام إليها مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل وهي جميعاً دول نووية. إن كل هذه المؤتمرات والاتفاقيات موجهة بالدرجة الأولى لدول محددة لمحاصرتها وتعريتها. ولذلك قررت إيران عقد مؤتمر نووي في طهران للرد على الحصار النووي الأميركي. وقد دعت طهران 60 دولة للمشاركة في مؤتمر نزع السلاح النووي يومي 17-18 أبريل الذي سينعقد تحت عنوان: "الطاقة النووية للجميع -السلاح النووي ليس لأحد" للتأكيد على مطالبة إيران بنزع السلاح النووي وعدم سعيها إليه. والظاهر أن لعبة شطرنج الحشد النووي على المسرحين الدولي والإقليمي ستستمر. وما لم يتم التعامل مع هواجس ومخاوف كافة الأطراف والدول بشكل جدي وجذري، ووقف الكيل بمكيالين برفع الغطاء من طرف القوى الكبرى عن النووي الإسرائيلي، والتعامل مع إيران والدول التي تملك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل بتساوٍ وتوازن مع النووي الإسرائيلي والكوري الشمالي وغيرهما، فسيظل حلم أوباما بجعل العالم خاليّاً من الأسلحة النووية في جوهره سراباً، وأضغاث أحلام قد تتحول إلى كوابيس!