تمثل الطاقة النووية أملاً جديداً لعشر من الدول الأفريقية الساعية لبناء محطات طاقتها النووية. ومن رأي الخبراء والمخططين أن حلول طاقة الشمس والرياح ليس ممكناً الاعتماد عليها بما يكفي، كما أنها لا توفر للدول ما يلبي حاجتها المتزايدة للطاقة. ففي شهر مارس المنصرم انضم وزير الطاقة السنغالي، صمويل سار، إلى مؤتمر في باريس وأعلن خلاله ما أدهش جميع الحاضرين: تأمل بلادي في تخصيب اليورانيوم وبناء محطة للطاقة النووية في منطقة واسعة اضطر فيها أصحاب المصانع والشركات وسكان المنازل إلى الاعتماد منذ وقت طويل على مولدات الطاقة المؤقتة والشموع، بسبب انقطاعات التيار الكهربائي المتكررة. وبالإضافة إلى خطوط نقل الطاقة والشبكات الكهربائية، تحتاج الطاقة النووية إلى توفير الحد المعقول من البنية التحتية اللازمة لضمان سلامتها، وإلى النظم القانونية التي تحكمها، فضلاً عن الرقابة الحكومية عليها، واتخاذ تدابير مكافحة الفساد، واستقرار نظام الحكم، وإجراءات مكافحة الإرهاب، وغيرها من المتطلبات التي لا تتوفر في الكثير من الدول الأفريقية. وعلى حد قول "إيجور خريبونوف" -المدير المشارك لمركز التجارة والأمن الدوليين في أثينا- فإن التحدي الذي تواجهه بلدان القارة الأفريقية في هذا المجال، ليس تحدياً فنياً، بل سياسياً قبل كل شيء. وعلى أية حال، فإن هناك عشر دول إفريقية تسعى الآن لبناء تكنولوجيا الطاقة النووية الخاصة بها. ففي شهر فبراير الماضي، بدأت السلطات النيجيرية محادثات بشأن تبادل الخبرة والمعارف النووية. ثم انضمت إليها في الاتجاه نفسه أوغندة التي أجازت تشريعات نووية وطنية في عام 2008 وتأمل في أن تتمكن من بناء محطتها بحلول عام 2020. كذلك تسعى كينيا لتوفير نحو مليار دولار لتحقيق الهدف نفسه. كما تعهدت الجزائر وتونس والمغرب ومصر ببناء طاقتها النووية السلمية في عام 2020. ومثل هذه الدول تعهدت غانا كذلك ببناء محطتها النووية في عام 2018، بيد أن الحكومة الجديدة ألغت تلك الخطط السابقة. بذلك نصل إلى دول النيجر المعروفة بغنى مواردها الوطنية من اليورانيوم، الذي أطلق عصر الطاقة النووية في الخارج، بينما أشعل حروبها الأهلية في الداخل. فقد طلبت النيجر من قبل دعم جنوب أفريقيا لطموحاتها النووية، إلا أن الانقلاب العسكري الذي شهدته في شهر فبراير الماضي ألغى تلك الخطط تماماً. وبالنسبة للقارة الأفريقية، فإن مشكلة الطاقة ليست من المشكلات الثانوية التي يسهل حلها. ذلك أن الجزء الغالب من دول القارة يفتقر إلى السكك الحديدية والاندماج الإقليمي اللازمين لنقل موارد الفحم وغيرها من مصادر الطاقة الأخرى. كما تفتقر الدول الأفريقية إلى القوة الشرائية التي تمكنها من إنشاء محطات طاقة النفط أو الغاز الطبيعي. لكن وفي حال استطاع أي من هذه الدول بناء محطة للطاقة النووية، فإن تكلفة اليورانيوم لن تكون معضلة كبيرة أمامها. وبينما تشجع القوى الغربية أفريقيا عادة على الاتجاه أكثر نحو موارد طاقة الشمس والرياح والطاقة المائية، يلاحظ أن قادة القارة أكثر طموحاً من ذلك الاتجاه، ولذلك فهم يطمحون إلى أن تحصل دولهم على مصدر أقوى للطاقة من المصادر المذكورة. تأكيداً لهذه الحقيقة، قال "كيلفن كيم" -المدير التنفيذي للشركة الاستشارية لطاقة جنوب أفريقيا-: في اعتقادي أنه ليس أخلاقياً أن تقترح دول العالم المتقدم على بلدان القارة الأفريقية حلول الرياح والطاقة الشمسية والمائية وحدها، وكأن لهذه الموارد أهمية صناعية يعول عليها بالفعل. فلك أن تتخيل مثلاً خسران إحدى الدول الأفريقية لنسبة 10 في المئة من طاقتها الكهربائية بسبب عدم هطول الأمطار في موسم معين. والاستنتاج المنطقي لنقص كهذا في الطاقة، أنه ليس بوسع أي دولة صناعية حديثة أن تعتمد على مصدر غير مضمون للطاقة مثل المياه. ومهما يكن، فإن للمواد الانشطارية مخاطرها وصعوباتها الخاصة بها. منها على سبيل المثال قدرتها على مضاعفة سعة الكيلوواط الكهربائي المنقول عبر الشبكة الوطنية الكينية، وهو ما يحذر منه بشدة قسم التخطيط التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ثم إن للطاقة النووية تحدياتها المالية أيضاً، سواء من ناحية تكلفة بناء المحطات أم تمويل تشغليها وصيانتها. ولكل هذه الأسباب والصعوبات، فهناك من الخبراء الدوليين -بمن فيهم شخصية بارزة في أوساط الفيزيائيين النوويين- من وصف هذا الطموح الأفريقي للطاقة النووية بالجنون التام. وقال بعض هؤلاء -ممن طلب عدم ذكر اسمه- إن سعي السنغال إلى بناء محطتها النووية، لا يعني شيئاً آخر سوى طموحها للامتياز الوطني. وعلى أية حال، ليس هناك من يتحدث اليوم داخل أروقة وزارة الطاقة السنغالية عن بناء محطات نووية. وتنشغل هذه الوزارة ببناء محطات طاقة الرياح والشمس، وإنشاء السدود لتوليد الطاقة المائية، إضافة إلى عملها على بناء محطات لطاقة الفحم الحجري. بيد أن السيد مالك نادو -الناطق الرسمي باسم الوزارة- أكد حاجة بلاده إلى هذه الموارد جميعاً، بما فيها الموارد النووية، حتى لا يعيق نقص الطاقة عمليات التنمية الاقتصادية الجارية في بلاده. وعلى أية حال، فربما توافق فرنسا على مساعدة السنغال مستقبلاً في بناء محطات طاقتها النووية، بحكم العلاقة الاستعمارية السابقة التي تربط بين الدولتين. كما تعرف كوريا الجنوبية واليابان بتنامي تصديرهما للطاقة النووية. وربما تجد الدول الإفريقية في التصميمات الروسية الخاصة بهذه المحطات خارج حدودها، عوناً كبيراً لها في المستقبل. ثم هناك الصين التي تعرف بحضورها الاقتصادي التكنولوجي الواضح في معظم دول القارة. ومع كثرة هؤلاء المتنافسين، فربما تصبح القارة الأفريقية سوقاً إقليمية رئيسية لمصدري التكنولوجيا النووية. غير أن ذلك ليس متوقعاً له أن يتحقق قبل حوالي 20 عاماً من الآن. درو هنشو كاتب أميركي متخصص في شؤون الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"