تتسرب إلى وسائل الإعلام من مصادر إسرائيلية وأميركية خلال الأسابيع الماضية أنباء تتراوح بين طبيعة المطالب الثلاثة عشر التي قدمها أوباما إلى نتنياهو حول المرحلة التمهيدية للمفاوضات غير المباشرة وبين حديث عن خطة سيعلنها أوباما للتسوية النهائية في خريف هذا العام. ما نعلمه يقيناً هو أن نتنياهو قد عقد أكثر من اجتماع منذ عودته من واشنطن في الأسبوع الأخير من مارس مع اللجنة الوزارية السباعية في حكومته لتدارس الرد على مطالب أوباما، وإننا دخلنا في الأسبوع الثالث منذ ذلك الحين دون أن يعلن نتنياهو رده. في الوقت نفسه، تتزايد التحليلات حول مستقبل الحوار الأميركي- الإسرائيلي حول عملية السلام، فنجد وجهة نظر ترى أن مرحلة التراخي التي ظهر عليها أوباما في مواجهة تحديات نتنياهو انتهت بفوزه في تمرير مشروعه للرعاية الصحية وخروجه قوياً من تلك المعركة الداخلية، ما مكنه من تقديم المطالب الثلاثة عشر، والتي يقال إنها تتضمن تقديم تعهد إسرائيلي بعدم استئناف بناء المستوطنات في الضفة ووقف البناء في القدس الشرقية، ونقل إسرائيل المسؤولية الأمنية في جميع مناطق الضفة إلى السلطة الفلسطينية. ويرى البعض أن مشروع أوباما لإنشاء الدولة الفلسطينية خلال عامين سيتم الإعلان عنه بدعم من "الرباعية الدولية"، سواء وافق نتنياهو أم لم يوافق. في المقابل هناك وجهة نظر أخرى ترى أن وسائل نتنياهو في الضغط الفعال على إدارة أوباما، والتي نجحت خلال العام الأول من حكم الطرفين في حمل أوباما على التراجع عن مطلب تجميد الاستيطان وإطلاق المفاوضات المباشرة إلى مجرد تكبيل الاستيطان والمفاوضات غير المباشرة ما زالت حاضرة بقوة، وما زال نتنياهو قادراً على تحريك اللوبي اليهودي في واشنطن لممارسة الضغوط على إدارة أوباما بنفس الكفاءة، خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي يلعب فيها اللوبي دوراً مؤثراً. إن محاولة تغليب إحدى وجهتي النظر المذكورتين سيدخل في باب الرجم بالغيب، أما الأمر الممكن فهو استعادة التجربة المشابهة التي وقعت بين نتنياهو وكلينتون بين 1996 - 1999 في فترة حكومة نتنياهو الأولى. لقد جاء نتنياهو إلى الحكم آنذاك ببرنامج سياسي "يميني" لم يكن فقط رافضاً لمبدأ إقامة دولة فلسطينية، بل تأسس على نقد تجربة الحكم الذاتي وإنشاء السلطة الفلسطينية. قبل مجيئه إلى الحكم، شن نتنياهو نقداً عنيفاً ضد رابين متهماً إياه بتسليم "قلب أرض إسرائيل الى أعدائها" بسبب توقيعه على اتفاقيات أوسلو عام 1993. المدهش أن نتنياهو صاحب هذه الرؤية اضطر تحت ضغط كلينتون إلى توقيع اتفاقية تسليم الخليل إلى السلطة الفلسطينية، ثم اضطر مرة أخرى الى توقيع اتفاق واي ريفر تحت نفس الضغط. لقد دفع نتنياهو ثمن قبوله للضغط، فقد انسحب من حكومته حزب المفدال الديني احتجاجاً على مضمون الاتفاقية الذي يحول السلطة الى 14في المئة من مساحة الضفة. إن تجربة الاستجابة للضغط الأميركي آنذاك لا تزال ماثلة في ذهن نتنياهو، فقد أدى تفكيك حكومته "اليمينية" إلى إجراء انتخابات جديدة مبكرة عام 1999 انتهت بالإطاحة به خشية من الناخبين الإسرائيليين على مستقبل العلاقات الأميركية- الإسرائيلية الحيوية بالنسبة لهم. هذا ما يسفر عن تأخر نتنياهو في الرد على المطالب الأميركية الثلاثة عشر خشية تفكك حكومته، فهل ينجح أوباما بالضغط من أجل تكرار تجربة إنهاء حكم نتنياهو كما حدث عام 1999. أم ينجح نتنياهو وشركاؤه "اليمينيون" في إيجاد صيغة رد مراوغة تفرغ ضغوط أوباما وتيسر مهمة اللوبي اليهودي في واشنطن في مناصرة حكومة "اليمين"؟