قريباً سيصبح لدى الرئيس أوباما 100 ألف جندي في أفغانستان لمحاربة التمرد في أفغانستان، غير أن نجاحهم يتوقف على وجود شريك أفغاني يتمتع بالمصداقية. فمنذ أن ساعدت إدارة بوش على تنصيب كرزاي رئيساً لأفغانستان بعد سقوط "طالبان"، قاد هذا الأخير حكومة تفتقر إلى الفعالية لدرجة أن الأفغان باتوا يسخرون منه ويصفونه بأنه ليس أكثر من عمدة لكابول التي تحتل المرتبة التاسعة والسبعين بعد المئة حسب منظمة الشفافية الدولية، أي مباشرة قبل الصومال الذي يحتل المركز الأخير والذي لا يتوفر على حكومة أصلا. نظمت أفغانستان انتخابات رئاسية في أغسطس الماضي بينما كانت تحشد الولايات المتحدة الدعم للحرب، غير أن الانتخابات اعترتها عمليات تزوير كبيرة، رغم أنها ممولة من قبل الولايات المتحدة وبلدان غربية أخرى ومدعومة من قبل الأمم المتحدة، حيث أشرفت "اللجنة الانتخابية المستقلة"، المعينة من قبل كرزاي، على عمليات تزوير كبيرة. ثم قامت لجنة منفصلة، "لجنة الشكاوى الانتخابية"، أخيراً بإلغاء ما يكفي من الأصوات المدلى بها لصالح كرزاي بحيث يصبح لابد من اللجوء إلى جولة ثانية من التصويت، لكن "لجنة الانتخابات المستقلة" كانت حريصة على جعل إجراءات التصويت أكثر فساداً. وفي قرار صائب، أحجم خصم كرزاي الرئيسي، عبدالله عبدالله، عن المشاركة في الجولة الثانية. والواقع أن العديد من الأفغان لا ينظرون إلى كرزاي كزعيم منتخَب ديمقراطياً. لذلك، فإن شريك أميركا الأفغاني يعاني نقصاً في الشرعية، إضافة إلى سجل طويل من انعدام الفعالية والفساد. لكن كرزاي لم يرد على أزمة الشرعية هذه عبر إصلاح العملية الانتخابية المختلة في بلاده، وإنما عبر الإمعان في الفساد، حيث قام عشية الانتخابات البرلمانية المقررة هذا الخريف بإصدار مرسوم يمنح نفسه صلاحية تعيين خمسة أعضاء في "لجنة الشكاوى الانتخابية" وتجريد اللجنة من معظم سلطاتها. وبدلا من رفض هذه المسرحية الشائنة، حاولت بعثة الأمم المتحدة في كابول الدفع في اتجاه حل وسط تقترح بموجبه اسمين على كرزاي ثم تترك له الكلمة الأخيرة لتعيين كل أعضاء اللجنة الضعيفة. إلا أن البرلمان الأفغاني رفض، لحسن الحظ، هذا الحل الضعيف. ويبدو أن قرار البرلمان أثار غيظ كرزاي؛ فخلافا لتأكيدات سابقة على أن انتخابات العام الماضي لم تشبها شائبة، ادعى كرزاي في خطاب الأسبوع الماضي أنني دبرت النتائج أثناء فترة عملي في أفغانستان، إذ قال: "إن الأجانب قاموا بالتزوير، وجالبريث قام بذلك". وحسب إدعاءات كرزاي، فإني قمت بتزوير الانتخابات باسمه حتى أحرجه عبر تسريب خبر التزوير إلى وسائل الإعلام الدولية، وبالتالي أُضعفُ سلطتَه. كما قال لبرلمانيين أفغان إنه قد ينضم إلى "طالبان"، ثم عاد وزعم أن الولايات المتحدة قامت بالتزوير! بعض المؤيدين الأميركيين اعتبروا أن ما قاله كرزاي موجه للاستهلاك الداخلي، والحال أن العديد من الأفغان يجدون سلوكه مثيراً للقلق، شأنهم في ذلك شأن الأميركيين. فهذا عبد الله عبد الله، الطبيب والسياسي، يقول في مؤتمر صحفي يوم الجمعة إن سلوك كرزاي "ليس عاديا"، وينتقده لأنه يضيع الدعم الأميركي في وقت يزداد فيه الوضع تدهورا. ومن جانبه، عبر البيت الأبيض عن قلقه حيث وصف المتحدث باسمه إدعاءات كرزاي بأنها "غير صحيحة بكل بساطة" و"مثيرة للقلق"، كما رفض وصف كرزاي بالحليف، ملمحاً إلى أن زيارته المرتقبة في الثاني عشر من مايو إلى واشنطن قد تكون في خطر. والواقع أن على إدارة أوباما أن تضع الولايات المتحدة إلى جانب صف الديمقراطية في أفغانستان. لذلك، يتعين على المسؤولين الأميركيين أن يكفوا عن القول إن كرزاي وصل إلى السلطة نتيجة لانتخابات ديمقراطية شرعية لأن الأفغان اليوم يعرفون أن ذلك ليس صحيحاً. ومن جهة أخرى، فإن أفغانستان لا يمكن أن تنظم انتخابات برلمانية هذا الخريف إذا لم تمولها بلدان أخرى. لذلك، يجدر بالكونجرس، أثناء مناقشته رصد مخصصات مالية لحرب أفغانستان، أن يشفعها بشرط يجعل أي مساهمة مالية أميركية في الانتخابات البرلمانية مرهونة بإنشاء هيئات انتخابية مستقلة ليس بين أعضائها أشخاص يعينهم كرزاي. غير أن قرار كرزاي هذا الأسبوع استبدال رئيس "اللجنة الانتخابية المستقلة" وكبير مسؤولي الانتخابات، مؤشر لا يبعث على الاطمئنان. وطالما أنه هو من يعين من يخلفهم، فإن كرزاي يسيطر على العملية الانتخابية، ما يجعل تكرار عمليات التزوير التي وقعت العام الماضي أمراً حتمياً. إن الجنود الأميركيين يستطيعون تطهير منطقة ما من "طالبان"، لكن إذا كان يراد لـ"طالبان" أن تظل بعيدا، فيجب أن تكون الجهود الأميركية متبوعة بجنود أفغان يوفرون الأمن وشرطة أفغانية توفر القانون والنظام. والأهم من ذلك كله هو ضرورة توفير حكومة أفغانية تحظى باحترام وإخلاص السكان. والحال أن حكومة كرزاي لا يمكنها الظفر بذلك. وبالتالي، فإن الجنود الأميركيين لا يتوفرون على الشريك الأفغاني الذي يتمتع بالمصداقية، وهو أمر ضروري وأساسي لنجاح استراتيجية أوباما الخاصة بمحاربة التمرد. ولأن الجنود الأميركيين لا يستطيعون إنجاز مهمتهم في أفغانستان، فإن وجودهم هناك هو مضيعة للموارد العسكرية. لذلك، يتعين على أوباما أن يوقف الزيادة العسكرية في أفغانستان، ويبدأ انسحاباً جزئيا، ليس للضغط على كرزاي، بل لأن الأخير ليس شريكاً محلياً موثوقاً به. بيتر جالدبريث ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نائب الممثل الخاص لأمين عام الأمم المتحدة سابقاً في أفغانستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"