أخيراً حسمت المفوضية القومية للانتخابات في السودان أمرها، وردت على مهلة المعارضة، بالإعلان عن أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها المحدد سلفاً (10-13 أبريل)، وأنه ليس هناك تأجيل كما طالبت المعارضة. وكان البشير، مرشح حزب "المؤتمر الوطني"، قد سبق المفوضية وأعلن رفضه تأجيل الانتخابات. والحقيقة أن عملية "طبخ" الانتخابات الأولى بعد نيفاشا قد بدأت بالإحصاء السكاني المشكوك في نتائجه، والذي أعلنت الحركة الشعبية مبكراً أنه لا يمثل حقيقة تعداد السودانيين إذ لم يشمل نحو مليون لاجئ فروا من السودان (سودانيو الخارج). وبيان مفوضية الانتخابات قطع الأمل في توصل الحكومة والمعارضة إلى حل بالتراضي بين السودانيين يؤدي إلى تأجيل الانتخابات فترة تتمكن خلالها الأطراف من تحقيق وتثبيت السلام الهش في دارفور، ومن ثم يشارك المتمردون الدارفوريون وأنصارهم في الانتخابات القومية، لأن انتخابات نيابية لا تشارك فيها أكثرية أكبر أقاليم السودان (دارفور) ستأتي نتائجها منقوصة وغير ممثلة، وهذا السبب وحده كان يكفي لتقتنع السلطة الحاكمة (المؤتمر الوطني) بضرورة تأجيل الانتخابات، ناهيك عن الأسباب الكثيرة الداعمة لوجهة نظر المعارضة في هذا الخصوص. وفي الأسابيع الماضية انخرطت الحكومة في مفاوضات ومباحثات مع المعارضة، وكانت الإشارات الصادرة من حين لآخر تبشر بأمل في الوصول إلى اتفاق يجنب البلاد شرور وأخطار التشرذم والاحتراب إذا جرت الانتخابات بدون موافقة واتفاق الجميع... لكن يبدو أن المفاوضات لم تكن أكثر من حركة تكتيكية من جانب "المؤتمر الوطني". والأرجح في تقديري وتقدير كثير من المهتمين بالشأن السوداني أن مرشح الرئاسة المنسحب، عرمان، كان محقاً عندما قال: "إن كل الحديث عن الانتخابات، والتحول الديمقراطي، والمصالحات السياسية، وكل التحركات التي يقوم بها حزب المؤتمر الوطني... لا تعني في حقيقتها شيئاً لهذا الحزب؛ فلا هو حريص على عودة الديمقراطية النيابية، ولا على تحقيق المصالحة الوطنية الكبرى. إن الموقف الاستراتيجي الحقيقي لحزب المؤتمر، وهدف إصراره على إجراء الانتخابات، أن يجدد رئاسة البشير، وبأغلبية تبدو كبيرة أمام العالم، بصرف النظر عن الوسائل والأساليب التي استعملها وسيستعملها لتحقيق هذا الهدف"! وحتى كتابة هذا المقال كانت أحزاب المعارضة الرئيسية، باستثناء حزب "الأمة" المتردد، قد حسمت مواقفها معلنة سحب ترشيح ممثليها للانتخابات الرئاسية، وبعضها أعلن مقاطعة شاملة للعملية الانتخابية برمتها، رئاسية وبرلمانية وولائية ومحلية. كما أنه حتى كتابة هذه السطور ما زال زعماء المعارضة منخرطين في اجتماعات مستمرة ولقاءات مطولة لإقناع "بعض الأحزاب" بأن تعلن مقاطعتها الشاملة للعملية الانتخابية. ويتفهم المرء موقف "الحركة الشعبية" من المقاطعة الشاملة، لأن معنى ذلك أن تخلو الساحة الانتخابية لخصومها كي ينظموا انتخابات برلمان الجنوب ومجالسه المحلية، ومن ثم تشكيل حكومة جنوبية متحالفة مع "المؤتمر الوطني". لكن بإمكان الحركة (ويبدو أن هذا ما سيكون) أن تستمر في مقاطعة الانتخابات الرئاسية والقومية (الجمعية الوطنية لعموم السودان) وأن تجري انتخاباتها في الدوائر الإقليمية والمحلية التي منها ستنبثق حكومة الجنوب. وعندما يكون هذا المقال بين يدي القارئ سيكون قد بقي يومان فقط قبل بدء الاقتراع للانتخابات السودانية، ولا أحد يدري ماذا سيحدث تحديداً بعد هذه الانتخابات، لكن كل الأجواء والمؤشرات في الأرض تشير إلى أن السودان مقبل على أيام صعبة وصعبة جداً.