حادثة اعتقال تسعة أفراد من منظمة مسلحة في ولاية ميشيجن، كانوا ينوون إثارة العنف، ينبغي أن تشكل تحذيرا لأولئك الذين يتقلدون أدوارا في الزعامة السياسية ويحرضون على العنف ضد الحكومة، لكنني أخشى ألا يروا الصلة بين خطابهم وأعمال العنف التي يحرضون عليها. في يناير 2009، أصدرت وزارة الأمن الداخلي تحذيرا (بناء على تحليلات جُمعت خلال الأيام الأخيرة لإدارة بوش) من أن منظمات يمينية تتخذ شكل المليشيات باتت تشكل مصدر تهديد متزايد هنا في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن "الانتخاب التاريخي لرئيس أميركي من أصل إفريقي... واحتمال حدوث تغييرات سياسية... والأزمة الاقتصادية... كلها عوامل تثبت أنها باتت تشكل قوة دفع لتجنيد وردكلة متطرفي الجناح اليميني... على أن المتطرفين الذين يتحركون بشكل منفرد والخلايا الإرهابية الصغيرة التي تتبنى إيديولوجيا الجناح اليميني المتطرفة والعنيفة، هم أخطر تهديد إرهابي داخلي في الولايات المتحدة". كما قال لي مسؤول في مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" وقتئذ إن وكالات فرض القانون باتت تركز اهتماما أكبر على هذه الظاهرة. وفي ما يمثل تأكيدا لهذه التخوفات، أشار تقرير حديث لـ"مركز قانون الفقر الجنوبي" إلى أنه خلال العام الماضي فقط تضاعف عدد مليشيات "المواطنين" المسلحة ثلاث مرات - في وقت بات ينشط فيه ما يفوق 130 من هذه المنظمات عبر الولايات المتحدة. غير أنه من المهم الاعتراف بأن انتخاب أوباما كان من نواح عدة نتيجة للظروف نفسها. وشخصياً، أدركُ، بحكم دراستي للحركات الاجتماعية التي تنشأ كرد فعل على التفكك والتوتر الاجتماعي، أنه خلال الفترات التي ينتشر فيها الشعور بالقلق والجزع، فإن الجمهور يمكن أن يُدفع في اتجاهات مختلفة؛ إذ يمكن أن يجد في الأمل الإلهام لأنه يعتقد أن التغيير الإيجابي بات قريبا، أو يمكن -مثلما هو الحال اليوم أيضا- أن يُدفع إلى رد فعل خائف أو غاضب، وضرب أهداف يعتبرها سبب محنته ومشاكله. صحيح أن رسالتي الأمل والتغيير اللتين جاء بهما أوباما أكسبتاه الانتخابات، لكنهما، ومثلما رأينا سريعا، لم تضعا حدا للأشخاص الذين يقتاتون على الاستياء. فقد ركز أولئك الأشخاص الذين يرتدون عباءة الشعبوية هجماتهم على "الآخرين" -سواء الحكومة أو النخب الليبرالية أو الرئيس نفسه- وكان خطابهم عنيفا للغاية. وكانت حركة "حفل الشاي"، خلال صعودها الصيف الماضي، قد لعبت دوراً سلبياً في التشويش على اجتماعات المدن، وأحيانا تعطيلها، وهي الاجتماعات التي كانت تناقش إصلاح الرعاية الصحية. ولا شك أن الزعماء السياسيين والشخصيات التلفزيونية التي حرضت على هذا السلوك الغوغائي، كانت مسرورة لرؤية هذه الحركة المعارضة للحكومة تنمو وتنسجم مع أجندتها المناوئة للإصلاح؛ غير أنه عندما كانت تخرج التصرفات عن السيطرة، فإنها كانت تنأى بنفسها عن نتائج أعمالها. والحال أن الخطر يظل قائماً وإمكانية العنف حقيقية. وعلى من يتقلدون أدواراً قيادية محترمة أن يدركوا أن اللعب بأعواد الثقاب، في البيئة الحالية، يمكن أن يفضي إلى اندلاع حرائق. فقد رأينا اللافتات العنصرية القبيحة، وسمعنا الأغاني والنعوت، وشهدنا الغضب العارم في التجمعات، فهل يمكن أن يكون العنف بعيدا؟ أعلم أن الأمر يتعلق بتهديد حقيقي، وهنا أتحدثُ انطلاقا من تجربة. ففي العقد الماضي فقط، قام مسؤولو فرض القانون الفدراليون بإيقاف ثلاثة أفراد وتوجيه تهم إليهم وإدانتهم بسبب التهديدات العنيفة التي أطلقوها ضدي وضد عائلتي، حيث وُصفتُ في هذه التهديدات بـ"الشرق أوسطي معتمر العمامة" ومؤيد "الجهاد" و"حزب الله" -وكلها أوصاف غريبة، قد يقول قائل، على اعتبار أنني كاثوليكي أنبذ دائماً كل أشكال العنف. لكن، من أين حصل هؤلاء المختلون على هذه الأفكار المشوهة؟ الجواب: من مجموعة أفراد مرتبطين بـ"مراكز بحوث" يمينية تكتب "مدونات" أو مقالات تعمل دائما على تشويه وتحريف مواقف معظم الزعماء الأميركيين العرب والمسلمين الأميركيين. على أن ذلك لم يتوقف. فمثلا عندما مُنحت شرف إلقاء الكلمة الختامية في الحفل الذي نظمته وزارة العدل بمناسبة الذكرى الأربعين لتوقيع قانون الحقوق المدنية، اعتبر مقال كتبه أحد هؤلاء الأشخاص أنه من العار أن تدعو وزارة العدل "أحد أنصار حزب الله" للتحدث في هذه المناسبة. ثم عندما دعاني البنتاجون للتحدث في مأدبة الإفطار السنوي التي يقيمها تكريما لخدمات الأميركيين المسلمين في الجيش الأميركي، ندد كاتب آخر بحضوري في هذه المناسبة ووصفني بأنني "من أنصار الوهابية". والواقع أنني مثلما أشعر بأن هؤلاء الكُتاب يتحملون المسؤولية عن كلماتهم وعن سلوك الأشخاص الذين تُحركهم كلماتهم وتدفعهم لارتكاب أعمال غير قانونية، فإنه يتعين أيضاً على أولئك المسؤولين المنتخَبين والزعماء السياسيين الذين يتشدقون في الكونجرس أو في التجمعات الحاشدة بالكلام حول "الشيوعية الزاحفة" أو "الأوبامية"، أن يتحملوا مسؤولية الأجواء التي يخلقونها وسلوك الأشخاص اليائسين الذين فقدوا أرواحهم ويستعملون كلماتهم كرخصة للعنف. ونظراً للظروف التي نواجهها اليوم، أعتقد أنه ينبغي تحديث القول المأثور "إن العصي والحجارة يمكن أن تكسر عظامي، لكن الأسماء لن تؤذيني أبدا"، بأن نضيف: "لكنها قد تدفع آخرين إلى كسر عظامي". ومن هنا وجب التحذير: "ضعوا أعواد الثقاب جانبا"، إنها خطيرة، خاصة وأنكم لا تعلمون من يستمع إلى كلامكم أو ما يمكن أن يقوم به تبعا لما تقولونه. لقد آن الأوان لخفض الحرارة وتخفيف الخطاب قبل فوات الأوان!