لن أعيد ما كتب عن الاختلاط، سواء مع أو ضد، مما طرح في وسائل الإعلام السعودية وغيرها، ودوافعه التي أفرزت فتاوى تم استغلالها ضد الإسلام من هدم وقتل وخلافه على رغم أن الدين جاء ليعمِّر وليس ليدمر. ولكن ما استفزني للكتابة في هذا الموضوع هو بيان وزارة الداخلية السعودية الذي أعلن يوم الأربعاء الماضي القبض على ما مجموعه 113 عنصراً في تنظيم "القاعدة" كانوا يسعون لتنفيذ مخططات يستهدفون من خلالها منشأة نفطية ومؤسسات حكومية واغتيالات لرجال الأمن. ليس جديداً ما طرح في البيان سوى عنصرين مهمين من وجهة نظري هما: الأول، الإعلان للمرة الأولى في تاريخ مكافحة الإرهاب في السعودية عن القبض على انتحاريين! والعنصر الآخر هو ما له علاقة مباشرة بموضوع المقال عن وجود امرأة من بين المقبوض عليهم يقال إنه ربما يكون لها دور ميداني بارز في التنظيم المكتشف، وبما أن لها دوراً ميدانيّاً فهذا يعني اختلاطها مع عناصر التنظيم من "الذكور" وهنا يحدث اختلاط غير محمود! خصوصاً أن عدداً كبيراً منهم تحت سن الـ23 عاماً، فهل الشيطان لا يكون ثالث اثنين من "القاعدة"؟!... من المؤكد أنه تم برمجتهم على ذلك، وإلا لما رأينا تلك المرأة بينهم. كانت النساء في تنظيم "القاعدة" في السابق يقمن بأدوار ثانوية حسب توزيع الأدوار في العمل السري، ولا علاقة لها بالعمل الميداني، وكثير منهن كشف عن أدوارهن بعد القبض عليهن كمنتميات لهذا التنظيم، وتمت معالجتهن فكريّاً، إلا أن البيان الأخير يشير إلى دور آخر للمرأة في التنظيم على الأراضي السعودية، دور يحمل في طياته من الأخطار الشيء الكثير، وينذر بأشد منها في المستقبل القريب لا سمح الله به، فهل ننتظر انتحاريات بيننا؟ خصوصاً إذا ما نظرنا لما تتمتع به المرأة من خصوصية في مجتمعنا تُصعب العمل على كشف هويتها بالسرعة المطلوبة! من يقف وراء تحريم الاختلاط الإيجابي في أماكن العمل، كأنه يخطط لإبقاء هذه العزلة مفروضة على المرأة لتتمكن من انحرف فكرها منهن أن تعمل لخدمة التنظيم بعيداً عن اكتشاف هويتها بسهولة، ويدعوها للعمل من خلال الاختلاط السلبي في إدارة عناصر التنظيم الإرهابي مستغلة ما تحظى به المرأة السعودية من خصوصية في مجتمعها! من يريد أن يعزل المرأة عن مجتمعها، ويلزمها تهميش عقلها في خدمة وطنها، هو بالضبط من دفع تلك المرأة للانخراط في تنظيم "القاعدة" إلى أن احتلت مقعدها في صفوف متقدمة فيه، تأمر وتخطط وتنفذ! وعادة في العمل السري المسلح يحظى الشخص البارز في العمل الميداني بشبكة اتصالات واسعة مع منهم أعلى منه مكانة في تنظيمه! وقد سبقت هذه الحادثة بعدة أعوام حادثة غير أخلاقية هي الأفظع حسب اطلاعي ارتكبها عنصر فاعل في تنظيم "القاعدة" على الأراضي السعودية، حين اضطر المطلوب الأول على قائمة الـ36 يونس الحياري -مغربي الجنسية وأعلنت القائمة في صيف عام 2005- إلى أن يخفي أبناءه وزوجته البوسنية عند أحد زملائه في التنظيم وهو السعودي "نايف" -في قبضة الأمن السعودي وأحيل ملف قضيته إلى القضاء- وكانت الزوجة حاملا بابنتها الأخيرة من الحياري، وحين استضافهم من أُريد منه إخفاؤهم، اتخذ من الزوجة عشيقة رغماً عنها بعد أن أنجبت ابنتها التي سجلت باسم العشيق المغتصب حين نقلها لأحد المستشفيات على أساس أن البوسنية زوجته، مضطراً لتزوير بطاقته العائلية لإتقان عمله، وأضاف البنت إلى أوراقه الرسمية، ولم تستطع الأم وأبناؤها العودة إلى بلادها إلا بعد فترة من الزمن تجاوزت العامين حين تمت معالجة الأوراق الرسمية لها ولابنتها من الجهات الحكومية. إن سلوكيات عناصر تنظيم "القاعدة" تُناقض ما يزعمون من اتباع للدين، وهنا مكمن الخلل الذي يأتي حين نسلم أدمغتنا للآخر ليحشوها بما يريد، دون أية محاولة منا للمناقشة، فكلها "احتساب" دون وعي بماذا نحتسب، ولأجل من؟ ويطرح عدد من المؤيدين لتنظيم "القاعدة" وإن في الخفاء كحد أدنى، أطروحات تسرق الضوء من المنجزات الحضارية التي تعمل عليها السعودية كرؤية استراتيجية مضادة لقوى الظلام، ويحددون أوقاتاً لها تتم دراستها بعناية، ومن آخر الأطروحات التي أثيرت إعلامياً في الأيام الماضية قضية الاختلاط وما دار حولها منذ عدة أشهر، ويتناسى هؤلاء الظلاميون ما يقوم به عناصرهم وأغلبهم يعرفونهم سواء على المستوى الشخصي أو كطلبة يحضرون دروسهم! وهنا تناقض بين السلوك والدين على افتراض أنهم يصدقون ما يقومون به أنه لصالح الدين وأنا أشك في أنهم لا يعرفون المخططات التي تستهدف بلدانهم وتروع أهلهم بأيديهم. إن علينا أن ننظر إلى ذواتنا أثناء سعينا لمعالجة أخطائنا، وألا نلقي باللائمة على الغريب، فمن الخطأ أن نتهرب منه وننقاد للآخرين، بل الحل الوحيد هو مواجهته ومحاولة تغييره، على قاعدة أطباء الجراحة حين يأتيهم مصاب حيث يتم فتح الجرح وتنظيفه وتعقيمه ثم معالجته بتسكيره، ولا أحد من الجراحين الذين يملكون الحد الأدنى من المهارة يقدم على علاج الجرح إلا بعد الفتح والتنظيف. لقد فتحنا المجال لوسائل الإعلام الغربية وصحفييها لـ"يحبكوا" القصص ضد الإسلام، وينسجوا رواياتها ووقائعها من خيالهم في معظم الأحيان، إلى أن أصبحت صورة الإسلام ومعتنقيه في العالم في أسوأ حالاتها في الوقت الحالي! حدثت حالة من الاختطاف للخطاب الديني من أيدي السلفيين التقليديين إلى ما بات يعرف بالصحويين -وكأن الآخرين نائمون!- وهم "إخوان" في أثواب سلف، أو سلف بماكينة "إخونجيه"، وما بني على خطأ فهو خطأ يجب تصحيحه، لأنهم يعملون بآلية عمل الحاضر وبأطماعه الدنيوية تحت شعارات من الماضي، والعقل يقول إن الشعار للعمل يكون من سياق العمل نفسه ومن الزمان ذاته.