أرجو أن ينتبه القادة العرب المجتمعون حالياً في ليبيا، إلى أننا نواجه حالة إسرائيلية تلامس جنون العظمة، وهي حالة لم تحدث من قبل إلا في أعقاب انتصار إسرائيل في حرب 1967، عندما تصور القادة أن امبراطورية جديدة قد نشأت في الشرق الأوسط وأن أحداً لا يستطيع أن يرد لها كلمة وأن قوتها العسكرية لا يمكن أن تقهر. الحالة الجديدة ظهرت في أعقاب تمكن حكومة "اليمين" الإسرائيلية من تطويق طموحات الإدارة الأميركية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، لقد استطاعت هذه الحكومة باستخدام اللوبي اليهودي في واشنطن، أن تحجم طموحات أوباما ومطالبه من إسرائيل، وأن تضمن تأييد معظم أعضاء الكونجرس. ومن هنا انطلقت في توجيه الصفعات إلى إدارة أوباما الصفعة تلو الصفعة. كانت الصفعة الأولى بإعلان مخطط الاستيطان في القدس أثناء وجود نائب الرئيس الأميركي في إسرائيل. وكانت الصفعة الثانية قبل سفر نتنياهو إلى واشنطن بإعلانه أن الاستيطان في القدس كالبناء في تل أبيب. وكانت الصفعة الثالثة بعد خطاب هيلاري أمام مؤتمر "آيباك"، والذي طالبت فيه بتجميد الاستيطان. لقد تحدث نتنياهو بعدها ليقول إن البناء في القدس ليس استيطاناً، فالقدس ليست مستوطنة ولكنها عاصمة إسرائيل. بهذا أخرج نتنياهو القدس من قضايا التفاوض على الحل النهائي وقرر مصيرها بمفرده بعيداً عن إرادة المجتمع الدولي والرباعية الدولية. إن اجتماع نتنياهو مع أوباما في واشنطن انتهى إلى الفشل نتيجة تصلب نتنياهو في مواجهة رئيس القوة الأعظم في العالم. هذه الحالة وصفها سفير إسرائيلي في "مؤتمر السلام الدولي" في مالطا 12-13 فبراير مبكراً، عندما طالب الفلسطينيين بقبول الأمر الواقع وما تعرضه عليهم إسرائيل، قائلاً إنه لا يوجد في العالم قوة تستطيع أن تفرض على إسرائيل ما لا تريده. إن الخطاب السياسي الإسرائيلي بعد لقاء أوباما ونتنياهو في واشنطن يلقي التبعة على أوباما في إفشال جهود نتنياهو من أجل السلام! فهل تتجلى حالة جنون العظمة الخطرة التي دخلها العقل السياسي الإسرائيلي؟ التطرف في الأفعال أصبح مقروناً بالتطرف في الأقوال، وتوارت من القاموس الإسرائيلي لغة المناورة والمراوغة، وأصبحنا أمام لغة التحدي السافر الذي يؤكد حالة جنون العظمة. في تقرير عما جرى بين أوباما ونتنياهو في صحيفة "يديعوت أحرونوت" للكاتب "اتيان جلبوع"، نجد قلباً للحقائق في صورة متغطرسة. فالرؤية الإسرائيلية هنا ترى أن الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط قد أدى إلى المساس بالتأييد الذي تلقاه إسرائيل من الشعب الأميركي. هنا يلقي الإسرائيليون اللوم على الرجل الذي ألقى بياناً أمام الكونجرس، أفاد فيه أن الدول العربية تفقد الثقة في الولايات المتحدة بسبب عدم قدرتها على دفع الحل السلمي، وأضاف أنه يرى أن غياب هذا الحل يعرض أمن الجنود الأميركيين للخطر نتيجة السخط الذي يمكن المنظمات الإرهابية من تجنيد الشباب المسلم. الكاتب الإسرائيلي يلوم الجنرال الأميركي لقوله الحقيقة، إننا أمام سياق ذهني لا يهتم بغير الأطماع الإسرائيلية، ويلقي اللوم على أي طرف يثير رأياً مخالفاً لهذه الأطماع أياً كان موقعه. ويكفي برهاناً الوصف الذي أطلقه نواب الكنيست على البريطانيين بأنهم "كلاب" لقيامهم بطرد ضابط الموساد الذي ساهم في تزوير الجوازات المستخدمة في جريمة اغتيال المبحوح في دبي. أرجو أن يتعامل العرب مع هذه الحالة المجنونة بالعظمة بالوسائل الصارمة اللازمة لإعادة العقل للإسرائيليين.