ناقش د. خير الدين حسيب، مدير عام مركز دراسات الوحدة العربية، بعض آراء د. سعدون حمادي حول الوحدة العربية والموقف من الدولة القطرية، وذلك في إحدى الندوات التي انعقدت في 2001. وهو يقول: "من مصلحة الوحدة العربية أن تتم مصالحة مع الدولة القُطرية.. الاتحاد الأوروبي لم ينطلق من إلغاء الدولة الوطنية، أي إلغاء بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا مثلاً. وليس من الضروري أن تتم الوحدة بين جميع البلدان العربية وإنما يجب أن ننطلق من المصلحة، وليس لاعتبارات قومية فقط، قيل في الورقة إن هذه الأنظمة لا تستطيع أن تحقق الوحدة العربية حتى على نموذج الاتحاد الأوروبي. وأحب أن أبين أنه مهما قيل في هذه الأنظمة، يجب أن ننطلق من مصلحة هذه الأنظمة، فهذه الأنظمة هي الأطول عمراً في التاريخ العربي المعاصر". ماذا عن أساليب التوحيد الراديكالية والعنيفة؟ "الثورة الشعبية أصبحت غير ممكنة وكذلك الانقلابات العسكرية، ولذلك لابد من مصالحة بين الشعوب والأنظمة. هذا يحتاج إلى حوار. وفي الأوضاع العربية الراهنة، إما أن النظام غير راغب في الحوار، أو القوى الوطنية غير راغبة في الحوار، أو الاثنان غير راغبين معاً". ومن النقاط التي أهمل د. حسيب الرد عليها، أو رد عليها بشكل عابر، دعوة د. حمادي إلى استخدام القوة والعدوان في إنجاز الوحدة! فمثل هذه الدعوة في ورقة تكتب لندوة تعالج مشروعاً حضارياً لنهضة عربية عامة، بعد عشر سنوات من عدوان نظام صدام على الكويت عام 1990 وما جرّ من كوارث، كانت جديرة بأن يخصص المركز ورقة مفصلة للرد عليها وفضحها. ولكن د. حسيب كما قال، على صداقة قديمة مع معد الورقة فهو "شخص أعرفه منذ أربعين سنة ومسكون بقضية الوحدة العربية". وقد أشار د. حسيب في نهاية مداخلته إلى أن "الوحدة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الديمقراطية ومن خلال استفتاء ورضا الشعوب". ونحن لا نعرف مدى عمق إيمان د. حسيب بهذا المبدأ، الذي ربما تقبله تدريجياً بعد كارثة عام 1990، عندما شتت مسؤولية القائد الضرورة عن هذه الجريمة، ولام صدام لأنه لم يفهم مخططات الولايات المتحدة التي أرادت توريطه، وقال في ندوة أزمة الخليج عام 1991 بالحرف الواحد "انطلاقاً من تصور الرئيس العراقي أن الأزمة أساساً هي مع أميركا، وأن الكويت هي أداتها". نالت ورقة د. حمادي إعجاب بعض من ناقشوا محتوياتها، من هؤلاء الوزير السابق والكاتب والمحامي اللبناني عصام نعمان، وقد أضاف إلى الطريقين اللذين ذكرهما د. سعدون حمادي لتحقيق الوحدة العربية -وهما الرسمي والثوري- مساراً ثالثاً هو السعي في مجال العمل اليومي عبر "الجبهة القومية التي ينضوي فيها كل من هو مستعد للعمل من أجل تحقيقها، كل ذلك يكون على أساس منهجية محددة هي منهجية التعدد واختيار الملائم والأخذ بكل الاحتمالات والسير في جميع المسارات". وهو مسار أشار إليه د. حمادي، ولكنه ألحقه بالمسار الثوري! وبعد أن أشاد بصاحب الورقة "كسياسي مناضل ورجل دولة"، طالب بوجود "إرادة سياسية" تحقق هذه الأهداف، أو بالأصح تجبر شعوب العالم العربي عليها، نحو الوحدة الاختيارية أو القهرية أو النضالية. وليكن ما يكون! ومنهم د. مفيد الزيدي -أستاذ جامعي في بغداد، وقال: "أرى أن الآليات التي وضعها د. سعدون حمادي في ورقته طريقاً سليماً نحو الوحدة المنشودة على مبدأ السير خطوة خطوة وفي عدة مجالات ومسارات.. وآليات ملائمة". ولكن د. الزيدي لم يوافق على النهج الثوري. فتجارب الوحدة العربية في الماضي، يقول، "أثبتت استحالة تحقيقها بقرار سياسي أو مجد شخصي، إنها قضية أكبر وأعقد بالنسبة للأمة". وتفاوتت رؤى المداخلات الأخرى حول مضمون الورقة، فالكاتب الفلسطيني عوني فرسخ أشار إلى قوة الضغط الوحدوي في العالم العربي، وتنبأ بأن "الزمن بات يلقي ضغوطاً على الدولة القطرية باتجاه التكامل أو التفجر من الداخل". وأضاف: "لقد انتهى علماء الدراسات المستقبلية إلى أن أي دولة لا يبلغ تعداد مواطنيها مائة وخمسين مليوناً ودخلها القومي مائتي مليار دولار سنوياً مستحيل أن تلحق بالدولة الصناعية، وليس بين الدول العربية من يتوفر فيها أي من الشرطين". ورفض قياس الحالة العربية على الحالة الأوروبية، "فالاقتصادات العربية متخلفة، والتجارة البينية متدنية، والأسواق العربية شديدة الارتباط بالأسواق الخارجية، والغالبية العظمى من رجال الأعمال العرب المعاصرين من الكمبرادور المعولم -أي تجار الاستيراد- ونادرة هي الاستثمارات العربية التي نجحت في قطر عربي آخر خلال العقود الثلاثة الماضية، ثم إن القرار الاقتصادي تابع للقرار السياسي". ودافع "فرسخ" عن فكرة "الإقليم القاعدة" كمصر مثلاً عبر التاريخ، وأضاف مختتماً بنبرة تفاؤلية، "إن إمكانيات التكامل العربي الإقليمي والقومي هي اليوم أكبر مما كانت عليه خلال العقود الثلاثة الماضية". وانتقد الكاتب الكويتي حامد أحمد الحمود تناقضات ورقة د.سعدون التي يفترض الأخير فيها جزافاً بـ"أن كل دولة قطرية تقف ضد الوحدة"، كما أنه في الواقع، "يدعو إلى الاقتداء بالمنهج البسماركي". وانتقد جوهر الورقة قائلاً: "إن التساؤلات التي يطرحها البحث حول الهدف من الوحدة لا تربط بين أحوال الشعب العربي من احترام لحرية الفرد وتحسين مستوى تعليمه ومعاشه اليومي من جهة، والهدف من الوحدة من جهة أخرى. إنما الوحدة، وفقاً لفهمي لما يدعو إليه الباحث، عبارة عن إعادة سجن يمثل الدولة القطرية إلى سجن أكبر، نُسمِّيه دولة الوحدة لكي تتحسن كفاءة بث الرعب ونشر الفقر في هذا السجن الكبير. إن طريق الوحدة التي يصبو إليها هذا البحث يمكن أن تكون مشروعاً، لكنه بالتأكيد مشروع غير حضاري وغير نهضوي". وطرح د. محمد السعيد إدريس من مركز "الأهرام" بمصر ملاحظة مهمة قائلاً: "أتصور أن أهم ما يجب أن يشغل العقل العربي الآن بعد عقود طويلة من فشل أغلب محاولات الوحدة العربية، وتراجع حوافز التوحد العربي، أن نسعى إلى الوصول إلى تفسير علمي لأسباب ذلك". وقال مجيباً: "سنجد مجموعة من الأسباب أبرزها الدولة التسلطية الحاكمة وشخصانية السلطة بل الدولة وضعف الاغراءات والحوافز الوحدوية". وطالب د. إدريس باحترام الدولة الوطنية وطمأنتها على نفسها، وبـ"تفكيك أواصر الدولة التسلطية، والحد من اعتماد الدولة على أدوات القمع بإعلاء شأن الديمقراطية وحقوق الإنسان". وعقب الباحث المصري ميلاد حنا، بأن الجامعة العربية والسوق الأوروبية المشتركة ظهرتا في وقت واحد، عقب الحرب العالمية الثانية. وكان التصور السائد أن ما يجمع العرب أكثر مما يجمع الشعوب الأوروبية، وكان بين الأوروبيين حروب وعداوات وجروح، "ولكن الظاهر أن لدى الدول الأوروبية حداً أدنى من الاتفاق والممارسة في مجال الديمقراطية والمجال المؤسسي وتداول السلطة وحقوق الإنسان".