بتمرير قانون إصلاح النظام الصحي بعد فترة من الجدل دامت طويلا، تمكن الديمقراطيون من تحويل سوء الحظ الذي لاحقهم في الآونة الأخيرة إلى حزب حقيقي قادر على الحكم، وهو ما لم تشهده الولايات المتحدة على مدى العقود السابقة. فبالمصادقة أخيراً على أهم تشريع اجتماعي في أميركا منذ الستينيات، يكون الديمقراطيون قد أنهوا حالة الجمود السياسي التي أحاطت بموضوع الاستحقاقات السياسية منذ أواسط رئاسة ريجان، كما أنهم أعادوا بعض المصداقية إلى الانتخابات وأصوات الناخبين رغم الاعتقاد المتنامي في واشنطن بأن المال وليس شيئاً آخر هو ما يحكم. والحقيقة أن رجوع السياسة إلى واشنطن وعودة بعض المصداقية إلى التدافع الذي تحركه الأفكار بدل المصالح الخاصة، إنما يرجع إلى قرار الديمقراطيين بتفعيل قاعدتهم، حيث تمت الاستعانة مجدداً بالتنظيمات المساندة لأوباما والتي يصل عدد المنخرطين فيها 13 مليون أميركي يدافعون عن الأفكار التقدمية ويساندون أجندة الرئيس الإصلاحية منذ الوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية. هذه القاعدة الشعبية الواسعة عادت إلى الواجهة بعدما دخلت فترة من الكمون تلت فوز أوباما لتجند مرة أخرى للضغط على المشرعين المترددين في الموافقة على خطة الإصلاح الصحي. وفي هذا السياق أرسل أعضاء التنظيمات الموالية لأوباما ملايين الرسائل النصية القصيرة، وأجروا ملايين المكالمات الهاتفية، لتشجيع الديمقراطيين المترددين داخل الكونجرس على التصويت لصالح قانون الرعاية الصحية الجديد. وبالطبع ما كان لهذا الحماس أن يتبلور وأن تلتف القاعدة الشعبية حول مشروع أوباما، لو لم يتمسك الرئيس بخطته بجميع تفاصيلها حتى بعد الهزة التي أحدثها فوز الجمهوري سكوت بروان بمقعد ماساتشوستس في انتخابات يناير الماضي وحرمانه للحزب الديمقراطي من أغلبية ستين صوتاً. لكن إصرار أوباما على مشروع الإصلاح الصحي الذي يكفل التغطية الشاملة لجميع الأميركيين تقريباً، ويوفر لهم خدمة طبية مميزة، ما كان لها أن تنجح لولا المساعدة الكبيرة التي قدمتها رئيسة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، التي لعبت دوراً كبيراً في إقناع الديمقراطيين في مجلسها، وهو أمر حفز بدوه القاعدة الشعبية التي تتشكل أساساً من الشباب المناصر لأوباما بعدما رأى حدة الصراع في الكونجرس، والرهانات التي تنطوي عليها خطة الإصلاح الصحي على الأميركيين. وفي خضم هذا الصراع تحول التنسيق بين أوباما وبيلوسي إلى قوة دفع أساسية لم يشهدها الكونجرس الأميركي منذ الرئيس جونسون، فالمساهمة الكبيرة لبيلوسي والتي لا تقل عن إصرار أوباما، سيسجلها التاريخ السياسي الأميركي بكثير من الإعجاب والتقدير. فرغم تاريخ الكونجرس الحافل بالشخصيات المهمة، مثل "سام رايبورن" و"تيب أونيل" اللذين رأسا الأغلبية فيه، فإنه لا أحد منهما تولى منصبه خلال فترة إصلاحات محورية كما هو عليه الحال اليوم. كما أن بيلوسي هي رئيسة الأغلبية الوحيدة في الكونجرس التي كان دورها محورياً في تمرير قانون للإصلاح وذلك منذ مائة عام تقريباً. لكن رغم هذا الانتصار لابد من التذكير بالصعوبات التي واجهت بيلوسي، لاسيما مسألة إقناع بعض النواب الديمقراطيين بالتصويت لصالح القانون، فأغلب الديمقراطيين الذين صوتوا ضد خطة الرعاية الصحية جاؤوا من مناطق تغلب على سكانها الطبقة العاملة من البيض الذين تعاملوا مع الإصلاحات الديمقراطية منذ الستينيات على أنها موجهة إلى الآخر المتمثل هنا في السود. لذا ينحدر 18 من الديمقراطيين الـ34 الذين صوتوا ضد القانون الصحي من الولايات الجنوبية، أو المتاخمة لحدود الحرب الأهلية، كما أن ثلاثة منهم جاؤوا من مناطق في ولايات شمالية كانت على الدوام جيوباً للسكان البيض، مثل مقاطعات "ساتين أيلند" و"جنوب بوستن" وجنوب غرب شيكاجو. لكن لمواجهة هذه المخاوف على الديمقراطيين في مقاطعاتهم المختلفة التأكيد للناخبين أن القانون الصحي الذي تمت المصادقة عليه لا تحركه أية دوافع عرقية، وأنه يهم الأميركيين جميعاً ويوفر لهم الرعاية الصحية التي يستحقونها بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية وانتمائهم العرقي. ولابد من توضيح الميزات التي جاء بها القانون، ومن ضمنها: حظر استثناء الأطفال الذين شخصت لديهم بعض الأمراض من التغطية الصحية، وعدم وضع قيود على التأمين بسبب العمر أو غيره، ومنع شركات التأمين من التخلي عن المنخرطين بعد إصابتهم بالمرض، ثم السماح للأبناء بالاستفادة من الرعاية الصحية لآبائهم حتى بلوغ سن 26 عاماً. وإذا كان الديمقراطيون يرغبون في الاستمرار كحزب حاكم حتى بعد انتخابات نوفمبر المقبل، فلابد لهم من توظيف الدروس الحالية والاستفادة منها في الدفاع عن قضايا أخرى تحظى بالشعبية، فهم بحاجة إلى إنشاء وكالة تدافع عن حقوق المستهلك، ومنع البنوك من المضاربة بأموال المودعين. وفي حالة أبدى بعض الديمقراطيين تردداً في تمرير هذه الإصلاحات، ينبغي للحزب الضغط من جديد على غرار ما فعل في خطة القانون الصحي لإقناعهم بالانضمام إلى أجندة الإصلاح. ورغم النقص الذي قد يواجهه الديمقراطيون في الأصوات بسبب امتناع بعض نوابهم من التصويت لصالح تلك القضايا، فإن مسألة الإصلاح باتت تحظى بشعبية واسعة لدى فئات عريضة من الأميركيين، وهو ما يتعين على الديمقراطيين استغلاله لحشد التأييد والضغط على المشرعين المترددين. هارولد مايرسون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"