القمة العربية المقرر عقدها في ليبيا نهاية الشهر الجاري تواجه قلقاً عربياً ملحوظاً، قد يغرق الساحة العربية في نوع من الخلافات يتسم بجذرية تكاد تعيده لأجواء أعقاب كامب ديفيد، إذ كثيرة هي الخلافات حول فلسطين، لبنان، الصومال، السودان... الخ. لكن دعنا نقرأ أيضاً المشاكل المتوقعة للقضايا المشتركة مع أفريقيا تمهيداً لعقد القمة الأفريقية العربية الثانية في أكتوبر 2010، وفي طرابلس.. وقد حاولت أمانة الجامعة العربية، ومفوضية الاتحاد الأفريقي أن تجعل الأمور ميسرة أمام انعقاد القمة العربية الأفريقية، فدعت اللجنة الوزارية الدائمة (من 24 دولة ممثلة للطرفين) للانعقاد في مقر الجامعة في الأسبوع الأول من مارس 2010 لدعم إجراءات التحضير للقمة القادمة في طرابلس، فيما يبدو أن تكون في أكتوبر 2010. وبدت قرارات اجتماعات القاهرة أميل لدعم المسائل العملية، والمفيدة للمنطقتين، وخاصة قضية الأمن الغذائي والتنمية الزراعية، فكان ذلك- إن صدقت النوايا- أفيد كثيراً من الارتباكات في قضايا السياسة المطروحة على الجانبين. لكن لابد أن يلفت النظر أن هذا الاجتماع الذي يضم 24 وزيرا ممثلين لدولهم، لم يلتفت إلى أهمية توجيه القمة المشتركة لقضايا بلدان الجنوب التي تلح على شعوبنا من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، وانفراد دول الشمال بالحلول الجذرية لصالحها، تاركة بلدان الجنوب لمحاولاتها الخاصة للخروج من الأزمة، وبعضها يمضى وحده فعلاً بثقة ملحوظة لكن سيعوقها بالضرورة غياب العمل الجماعي على مستوى كتلة الجنوب، والتي تشكل فيها البلدان العربية والأفريقية مواقع مهمة (الثروات- السكان.. الخ). قد تتم إحالتي إلى أن ثمة لجنة تحضيرية تتابع موضوعات القمة، وقد تشكل هذه "لجان خبراء" لهذا الفرض أو تعتمد على أعمال مؤتمرات نوعية... الخ. لكن القرار السياسي من الوزراء ثم القمة يظل في بلادنا مهماً. وفيما عدا الاهتمام بالقضايا الزراعية وقرارات تحريك صندوق المعونة والمصرف، والتي يبدو أنها تتسم ببعض الفاعلية، فإن الاجتماعات العربية- الأفريقية الأخيرة، تبدو باحثة عن الأمان وحسن النوايا في قضايا بالغة الحساسية، بل ويمكن أن تهدد بحق اجتماع القمة الثاني للتعاون العربي- الأفريقي. ولو أن الاجتماعات العربية- الأفريقية هذه راغبة في مزيد من الفاعلية، وضبط إيقاع العمل الجماعي العربي- الأفريقي، ليكون فاعلًا في الساحات الدولية الأخرى لما مر بهذه البساطة على قضايا مشتعلة مثل الصومال والسودان والموقف الفرنسي- الأميركي، بل وبعض المواقف الفردية من بعض الدول حتى الدولة المضيفة! فهل يكفي بالنسبة للسودان أن ننحي دور هذا وذاك للتوفيق بين "الأطراف" أو "شريكي الحكم" دون التنبيه لضرورة الفهم الموضوعي للخلافات ومناشدة الأطراف العربية أو الأفريقية المتدخلة إلى مراعاة الوحدة وحقوق "المتمردين" الذين أصبحوا "شركاء حكم" بدورهم ليتم طرح شامل "للأزمة السودانية"؟ وإذا كان واجب "التحية" ضرورياً فعلينا أن نحيي محاولات" دعم إعادة الإعمار" في (الجنوب ودارفور) ودفع هذه المسألة بجدية حقيقية، لأن التنمية والاستثمار الصحيح هي الباب الصحيح أيضاً للديمقراطية وحل الأزمة، خاصة مع ضرورة توقف عمليات "الإقصاء السياسي" لبعض الأطراف في السودان؟. وهل ينفع في الصومال أن نعود لفلسفة "التدخل المنفرد" على نحو ما فعلت الولايات المتحدة منذ عقدين، كما فعلت إثيوبيا، وخسر الاثنان ثم نأتي لتحية "قرار حكومة جيبوتي بشأن نشر قوات في الصومال"، لنعود إلى سماع الاعتراض الإريتري، لأنه سبق "إدانة الاتحاد الأفريقي للتدخل الإريتري"؟ ومن ثم وضع المجتمعون أنفسهم موضع الذين يكيلون بمكيالين، بينما يتطلب الموقف في الصومال ضرورة بحث التدخل الجماعي العربي- الأفريقي مرة أخرى بشكل حقيقي وفعال للتفاهم مع كل الأطراف ووقف الاستثمار الدولي لعملية القرصنة، وكسب جهود كل الراغبين في التعاون في هذه القضية، بدل اتهام السودان مرة وإريتريا أو إثيوبيا مرات، وترك الصومال ساحة مفككة بهذا الشكل. ومعنى ذلك إرجاء هذه القضية المعقدة للقمة العربية- الأفريقية القادمة... تبقى المشكلة الكبرى التي تتعلق بموقف دولة المقر المقترحة لانعقاد القمة العربية- الأفريقية، وهي ليبيا، ولن أرهق القارئ هنا بمشكلات مع عدد من الساحات الإقليمية أو الدولية، إذ تتعدد الآراء اختلافاً واتفاقاً، بما هو في النهاية شأن ليبي. والقضية في مجال التعاون العربي- الأفريقي خاصة تتعلق أولًا بإطار الدبلوماسية التقليدية، التي درجت على مراعاة الدولة المضيفة لمؤتمر ذي قيمة تاريخية، إزاء الاعتبارات الخاصة بحساسية أطراف مهمة في المؤتمر، هي هنا أفريقيا والعالم العربي على السواء. فقد لا يبدو معقولاً أو مقبولاً أن نصدم هذا أو ذاك ببعض المواقف المثيرة للحساسية، التي قد تؤدي لفشل اجتماع مهم لنا جميعاً ولليبيا صاحبة الدعوة الوحدوية، مثل اجتماع القمة الأفريقية- العربية بعد عدة شهور. وقد خبرنا من قبل كيف أدت دعوة ليبيا الأطراف من تشاد أو البوليساريو إلى قمم أفريقية، وأفريقية- عربية في الثمانينيات لتعطيل العمل الأفريقي نفسه لبعض الوقت ما لم يتوافر إجماع معين لتجاوز الموقف. فهل يتوافر مثل هذا الإجماع التوافقي على تصريحات سابقة بشأن جنوب السودان، أو تصريحات حديثة عن نيجيريا، في ظروف نعرف أنها مواقف قد تؤدي لانهيار دول كبيرة مثل السودان ونيجيريا! إن دولًا كبيرة مثل مصر، مازالت تعاني أثر دعمها لحكم فيدرالي موحد في نيجيريا أثناء أزمة بيافرا، ودولاً كبيرة أخرى مثل فرنسا، مازالت تعاني من موقف دعمت فيه أطرافاً في رواندا منذ عقد من الزمان، وخوفاً على مصالحها التعدينية الكبرى في منطقة البحيرات. مثل ذلك عانت ليبيا لظروف مختلفة أثر صياغتها الدبلوماسية الخاصة لإقامة الاتحاد الأفريقي. وكل ذلك يحتاج إلى دراسات حول المواقف لا أتصور أن تغيب عن الخبرة الليبية، التي اعتقد أنها تعرف جيدا الواقع الأفريقي. إن المهتمين بالعلاقات العربية- الأفريقية والتعاون الجاد لتطويرها من خلال قمة حقيقية مشتركة في طرابلس يتوقعون أن تتوافر كل التحضيرات الجادة وليست الشكلية لمثل هذا الاجتماع في لحظة حاسمة من تاريخ التجمعات الإقليمية والدولية، وهو ما نتصور أنه يجري في الأمانتين، ومع الخبراء الليبيين أيضاً.