بات واضحاً للجميع أن النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي يمثل اليوم الدافع الرئيسي المحرك للنشاط الإرهابي، الذي يهدد أمن الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا السياق فإن إصرار حكومة نتنياهو الإسرائيلية على التوسع في بناء مستوطنات يهودية جديدة في الأراضي الفلسطينية-على رغم تعهد أوباما بوقف هذا النشاط الاستيطاني منذ خطاب القاهرة الشهير الذي خاطب به العالم الإسلامي- يتجاوز كثيراً مجرد تقويض مصداقية واشنطن. وفيما لو تراجعت هذه الأخيرة عن تعهدها بهذا الخصوص، فمن شأن ذلك أن يشعل نيران انتفاضة فلسطينية ثالثة يجري الإعداد لها سلفاً بين الفلسطينيين. وفيما لو اشتعلت النيران، فإنها سوف توفر مناخاً ملائماً لاستقطاب المزيد من المتطرفين، بينما يزداد النفوذ الإيراني. وفي ذلك ما يهدد أمن أميركا وحلفائها الغربيين، إضافة إلى تهديد استقرار منطقة الشرق الأوسط كلها. ومع هذه الانتفاضة من المتوقع أن يزداد التأييد الشعبي للتطرف الإسلامي عموماً في مواجهة الغرب، ما يعني تهديداً مباشراً لحياة الجنود الأميركيين والغربيين المرابطين في العراق وأفغانستان. هذا هو الجانب الأول من تأثيرات توسع حكومة نتنياهو في سياساتها الاستيطانية. ولكن لا بد من النظر إلى الجانب الآخر من هذا التأثير، لا سيما وأن هذه السياسات تساعد أيضاً في تعميق الهوة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي ذلك ضرر مباشر بالمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية نفسها. ولعل وزير دفاع حكومة نتنياهو الحالية، عبّر عن مصالح إسرائيل أفضل مني ومن غيري بقوله في تصريح له بتاريخ السادس والعشرين من يناير المنصرم: "ما لم تكن هناك دولتان مستقلتان جنباً إلى جنب في إسرائيل وفلسطين، فإنه ليس في وسع أي شيء آخر، لا قنبلة تسقط علينا من إيران، ولا أي خطر خارجي آخر، أن يكون أكثر تهديداً لأمن إسرائيل ومستقبلها، من غياب ذلك الحل. لكن ومع ذلك، فقد بات هذا الحل شبه مستحيل بسبب توسع وانتشار المزيد من المستوطنات اليهودية في أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية". وفي الثاني من فبراير المنصرم قال باراك أيضاً: ما لم نتوصل إلى حل الدولتين، فسوف تكون إسرائيل إما دولة غير يهودية أو غير ديمقراطية. وفيما لو يكن في وسع هذا الكم الهائل من ملايين الفلسطينيين التصويت، فسوف تكون إسرائيل نموذجاً آخر لدولة الفصل العنصري". ولنذكر أيضاً أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت افتتاحية في بداية الأسبوع الحالي قالت فيها: ليست إسرائيل رصيداً استراتيجياً لأميركا، بل إن أميركا هي مصدر قوة إسرائيل. وعليه فإن من الضرورة لجم هذا التطرف اليميني الإسرائيلي الذي بات يهدد العلاقة بين هاتين الدولتين. ولا شك أن الحكومة الحالية التي يترأسها نتنياهو، تبدو أكبر مهدد استراتيجي لأمن إسرائيل ومستقبلها". وأوافق هآرتس في تحليلها للحالة الراهنة. ذلك أن التوتر الحالي ليس بين واشنطن وتل أبيب، إنما بين واشنطن والحكومة "اليمينية" التي تتولى زمام الأمور في إسرائيل، لأن رئيسها يزعم قبوله واستعداده للعمل من أجل حل الدولتين، إلا إنه يعمل في الواقع لجعل ذلك الحل مستحيلاً على الأرض كما نرى. هذا التناقض يدعوني إلى القول إن إسرائيل في أمسّ الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية، لا يسيطر عليها "اليمين" المتطرف، لأن سيطرة هذا الأخير على إسرائيل، ليس أقل ضرراً ولا خطراً من أن تسيطر "حماس" على الجانب الفلسطيني كله. وعلى الرباعية الدولية -الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة، وأميركا- أن تؤدي دورها وتخطو الخطوة المطلوبة منها خلال اجتماعها المتوقع في موسكو قريباً: التقدم نحو التسوية السلمية للنزاع. زبيجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"