ليس معروفاً متى وأين وكيف ولا مَن سيطرح، جديّاً، وفي الصميم، الملف الملحّ المؤجل، بل المهروب منه، المتعلق بإعادة هيكلة ما يسمى "النظام العربي الرسمي"، أي إعادة صياغة وظيفته وتحديد مهماته وتوضيح صلاحياته وضمان التزاماته، وبالتالي رسم معالم واضحة ومقبولة لفاعليته، ليكون موضع مساءلة إذا قصّر وموضع محاسبة إذا أخطأ. فكل ذلك ممكن من دون أي مسّ بالسيادة ولا بالخصوصية ولا بالشأن الداخلي، طالما أن هذا النظام سيبنى، بل يجب أن يبنى، على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والحرص على أولوية مصالح الشعوب غير القابلة للتصرف. كلما كانت هناك قمة عربية تكون فرصة لمقاربة الملف، ولو من دون إنجازه، لكن القمم تتوالى ولا يحظى الموضوع إلا بملامسة سطحية تفيد بأنه غير مؤهل للحسم بعد. وفي الانتظار يمر العالم العربي بحالات تشكيك وتساؤل: لماذا القمم، لماذا الجامعة العربية، لماذا التهاون، لماذا الصمت، لماذا التدخل الأميركي الأوروبي الإسرائيلي الإيراني ممكن في أي شأن عربي، ولماذا التدخل العربي غير ممكن... وصولاً إلى: أين معنى العروبة إذا لم يعد للعرب أنفسهم دور أو معنى؟ من المحيط إلى الخليج -كما يقال- ثمة قضايا وإشكالات، بل مجرد "مشاجرات" أحياناً، توجب تدخلاً عربياً، لكن المعنيين يفضلون تدخل طرف ثالث أجنبي ويتحملون كلفة تدخله حتى لو تطلبت تنازلات يمكن أن تمس السيادة أو الخصوصيات. وفي السنوات الأخيرة تعددت حالات التدخل "غير المشروع" من جانب بلد عربي في بلد عربي آخر، ونتجت عن ذلك خلافات واصطفافات حتى استعصى الحل. ومثل هذا الحل كان يفترض، بل يمكن، بل يجب، أن يتبلور في الإطار العربي، لكن الجامعة لا تملك صلاحية ولا تتمتع بآليات عمل، ولا تحظى دائماً بالقبول. نماذج كثيرة لمشاكل عربية -عربية، كلها ماثلة أمامنا، وكلها تترك لتتفاقم ريثما يأتي من الخارج من يحلها، وسط الصمت والعجز والإهمال واللاموقف أو حتى اللامبالاة من الجانب العربي. في القمة المقبلة في سرت، من غير المتوقع أيضاً أن يُشرع في عرض الملف، على رغم أن هناك أفكاراً تبلورت منذ زمن. البعض يقول إن النظام العربي الحالي، المنهار والمتهالك، بنى نفسه على نصرة القضية الفلسطينية ولن يتغير إلا إذا انجلى مصير هذه القضية. لكنه فشل في صنع هذا المصير حرباً وهو في صدد إعلان فشله في صنعه سلماً. ولما افتضح ضعفه تمترس وراء الحد الأدنى من التضامن، وأخيراً تشظى هذا الحد الأدنى ليصبح مجرد كلام في كلام. وكلما خطت القضية نحو هاوية جديدة كلما صار الكلام أجوف. ولأنها قضية إنسان في الأساس فقد باتت تختصر معضلة الفكر العربي وخصامه المزمن مع مفاهيم الحق والعدالة والقانون. وهذا يعيدنا إلى حقيقة دوامة "النظام العربي الرسمي" وعلله المتوارثة. ذروة الإحباط أن تتضاءل الخيارات إلى حد الندرة. لكن النظام العربي كائن غير متاح له ترف الإحباط. فالتهاون والهوان لا يشكلان خياراً. ثمة حاجة بالغة المساس إلى استعادة التوازن والوزن. أما التضامن في الصورة والتطاعن خلف الكاميرا فلا يخدعان سوى التضامنيين والمتطاعنين. على الطاولة ورقة اسمها المبادرة العربية للسلام، أقرت وقدمت إلى المجتمع الدولي باسم القمة العربية. هذه الورقة، بمفاهيم العصر، هي إعلان نوايا واستعداد للسلام. رفضتها إسرائيل فاحتارت الولايات المتحدة بالتعامل معها، والآن بدأ العرب يتخاصمون عليها، ولا يعرف أشد المتحمسين لسحبها ما البديل منها، أي ماذا بعد سحب الاستعداد للسلام. لكن لِمَ التخاصم، اصنعوا البديل وتضامنوا حوله والتزموه، فالذين وجهت إليهم المبادرة برهنوا أنهم لا يستحقونها. ربما كان العرب محقين عندما استخدموا المبادرة لإبداء المرونة، لكن التشدد الإسرائيلي بدد هذه المرونة، فما الخيار العربي الآخر؟!