انقضت أكثر من أربعة أشهر على عودة الرئيس حميد كرزاي إلى السلطة في أفغانستان عقب انتخابات أثارت الكثير من الجدل وشابتها خروقات عديدة. لكن ومنذ ذلك الوقت، لم يستطع كرزاي تحويل انتصاره الانتخابي إلى حضور سياسي فاعل على الساحة الأفغانية، أو الاستفادة منه لإرساء الاستقرار في البلد والتعامل مع تمرد "طالبان". فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية لمحاربة التمرد "الطالباني"، وإدراكهم لأهمية تعزيز دور الحكومة الأفغانية كجزء أساسي من استراتيجية الخروج الأميركية، إضافة إلى دعم الاستقرار من خلال تدريب وتجهيز قوات الشرطة والجيش الأفغانيين، وإعدادهم لتسلم المهام الأمنية بعد مغادرة القوات الغربية، يبقى العائق الأكبر أمام هذه المساعي الضعف الشديد للحكومة الأفغانية وهشاشتها البالغة والخطيرة في الوقت نفسه، التي تهدد بتقويض كافة الجهود المبذولة في هذا المجال، فقد ساء الوضع الميداني أكثر وتدهور الواقع الأمني في البلاد إلى درجة أصبحت معها "طالبان" قادرة على شن هجمات بسهولة في قلب كابول. كما أن المناطق الواقعة تحت سيطرة كرزاي، ما فتئت تتراجع بوتيرة مقلقة؛ بيد أن المخاوف من تدهور الأوضاع في أفغانستان لا تقتصر على الغرب، بل تمتد إلى الأطراف الأخرى التي يهمها الاستقرار في البلاد، والتي انخرطت بشكل أو بآخر في مساندة أفغانستان، لا سيما الهند التي لم يحل استثمارها لأكثر من ملياري دولار من شعورها بالتحدي، الذي تواجهه مصالحها. وضمن هذا الإطار، أثارت الهجمات الأخيرة ضد مواطنين هنود في كابول مخاوف نيودلهي وقلقها ليس فقط من سلامة رعاياها العاملين في أفغانستان، بل أيضا إزاء مستقبل الدور الهندي في هذا البلد. فقد استهدفت الهجمات الانتحارية لتنظيم "طالبان" منزلًا للضيافة وفندقاً يتردد عليه الهنود، حيث هاجم الانتحاريون أولا "دار نور للضيافة" وقتلوا فيها مواطنين هنديين، أحدهما طبيب في الجيش الهندي برتبة رائد كان يعمل في أحد مستشفيات العاصمة، ويقدم العون للأطفال، والثاني ضابط في الجيش أيضاً تابع لوحدة التربية والتعليم، ثم لاحقاً توجه الانتحاريون إلى فندق "بارك" ليسقطوا المزيد من الضحايا، واللافت أن الأشخاص السبعة الذين قضوا في الهجومين مرتبطون بالجهود التي تبذلها الهند لتحسين الأوضاع في أفغانستان ومساعدة أهلها. ولم تتأخر الهند في الرد سريعاً بإدانتها للهجمات الانتحارية أولًا، تم تأكيدها ثانياً أن مثل تلك العمليات لن توقف المساعي الهندية في أفغانستان، هذه المساعي التي لا شك أنها تفوق بكثير ما تبذله بلدان أخرى، فبفضل الهند استطاعت العاصمة تأمين احتياجاتها من الكهرباء بتكلفة أرخص مقارنة بالبدائل التي كانت مطروحة سابقاً، كما أن الهند ضخت ملايين الدولارات في البنية التحتية، وكشفت عن مشاريع طموحة في قطاعات الصحة والتعليم على امتداد البلاد في محاولة منها لمساعدة الشعب الأفغاني على توفير الخدمات الأساسية التي يحتاجها. وعلى رغم النوايا الحسنة التي تظهرها الهند تجاه أفغانستان وشعبها، فإن ذلك لن يكون كافياً في ظل التحالفات الجديدة التي بدأت تتشكل على أرض الواقع والمتغيرات المترتبة عليها، ناهيك عن الهجمات التي تستهدف المصالح الهندية في كابول، حيث سبق أن تعرضت السفارة الهندية لهجوم قُتل فيه دبلوماسيان هنديان. ومع أن القوات الغربية قد لا تنسحب وفقاً للجدول الزمني المحدد وقد تضطر للبقاء لفترة أطول، إلا أن التخفيضات المتوقع إجراؤها على تلك القوات تدفع القوى الإقليمية الفاعلة في أفغانستان إلى مراجعة انخراطها في البلاد على المدى الطويل، وتبرز مخاوف تلك القوى من الفراغ الذي سينشأ بعد انسحاب القوات الغربية وتقدم "طالبان" لملئه بدل حكومة كرزاي الضعيفة، لذا يتعين على نيودلهي أخذ هذا الواقع بعين الاعتبار وهي تراجع سياستها الأفغانية على ضوء المتغيرات الجديدة لما بعد مغادرة القوات الأجنبية. وإلى الآن لا توجد استراتيجية محددة لدى الهند تجاه أفغانستان، بل هناك مجموعة من الأفكار التي يتم تداولها ليس فقط على المستوى الحكومي، بل أيضا على صعيد خبراء الاستراتيجية، ومن بين تلك الأفكار تعزيز محور الهند وروسيا وإيران الذي سبق أن تعاون في دعم تحالف الشمال الذي أطاح بحكومة طالبان"، كما أن هناك من يدعو للتواصل أكثر مع السكان البشتون وإن كان من الصعب على الهند منافسة باكستان في هذا المجال بالنظر إلى نفوذها المتغلغل داخل القبائل البشتونية وعلاقتها الجيدة مع عناصر "طالبان" المعتدلة. وعلى أي حال سيكون على الهند توخي أعلى درجات الحذر في وقت بدأت تتصاعد فيه أصوات غربية تدعو إلى إدماج "طالبان" في الحياة السياسية والتفاهم معها على صيغة لتقاسم الحكم مع كرزاي. ورغم الدور البارز الذي تسعى باكستان إلى لعبه على الساحة الأفغانية بعد انسحاب قوات تحالف شمال الأطلسي، وهو ما حرصت على تأكيده خلال مؤتمر لندن حول أفغانستان، تعاني إسلام أباد من اضطرابات داخلية نتيجة التفجيرات الانتحارية التي تطال مدناً رئيسية مثل لاهور وكراتشي والعاصمة نفسها بوتيرة تكاد تكون يومية، وهو ما يجعل الوضع بالنسبة للهند المجاورة بالغ الحساسية بسبب احتمال تسرب العنف إلى داخل أراضيها. وفي الوقت الحالي، تُجري الهند مشاوراتها مع العديد من الدول، وتتبادل معها الآراء والأفكار علها تصل إلى خلاصة حول كيفية التعاطي مع الوضع الأفغاني، فقد أجرى رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينج، خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية مباحثات مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وطلب نصيحته حول أفغانستان، كما أن الزيارة التي سيقوم به رئيس الحكومة الروسي، فلاديمير بوتين إلى نيودلهي، ستمثل فرصة مناسبة للقيادة الهندية لعقد مباحثات بشأن المنطقة وأفغانستان تحديداً، وهو ما يحتم على الهند صياغة استراتيجية شاملة تتعدى مجرد رعاية مصالحها الآنية في أفغانستان إلى حماية الاستقرار في عموم المنطقة.