"الجواب أغنى السؤال... الطموا خشوم الضَّلال... لا مساس ولا خلاص.. بيننا نار تلظى.. بيننا ضرب الرصاص" كانت هذه بعض كلمات أوبريت "وحدة وطن" الذي غنته مجموعة من الفنانين السعوديين بافتتاح مهرجان الجنادرية الثقافي بعيده الفضي الخامس والعشرين، والذي افتتحه الملك عبدالله بن عبدالعزيز يوم الأربعاء الماضي. الأوبريت من كلمات خالد التويجري، والأبيات أعلاه اختزلت رؤية بلد عظيم كالمملكة العربية السعودية، ولخصت توجه وبوصلة الاتجاه للمملكة وشعبها. إعلان حرب بكافة الوسائل والسبل على الظلام والضلال والتخلف، وهي معركة طويلة وقاسية وعسيرة، وخوضها تتعدد ساحاته، وتتعدد أدواته وأسلحته، لكن المملكة تسير بكل ثبات وهدوء الواثق من الانتصار على الظلام والجمود، وتدرك أن الطريق طويل وشاق، لكنها بلد برؤية وشعور بالمسؤولية تجاه شعبها وعالمها العربي والإسلامي ومجتمعها الإنساني. في معرض الكتاب السنوي بالرياض تلاشت لغة الممنوع، وأصبح المعرض تظاهرة فكرية وثقافية تتجاوز شراء وبيع الكتب. لم يعد هناك كتاب ممنوع. كان لبنان والكويت في الماضي يفاخران بحريتهما ومعارض كتبهما التي لا تمنع مطبوعاً. لكن لبنان اليوم يعيش "رقابة التوازنات"، والكويت تعيش حالة الرقابة الدينية السياسية التي حولت معرضها للكتاب معرضاً للطبخ والنفخ وفك السحر وقراءة الأحلام. تعرض الرفوف بمعرض الرياض للكتاب كتباً تتهجم وأخرى تتجنى، وثالثة تنتقد بحكمة ورويّة. الكل مسموح، والثقة بالنفس تتجاوز أن يؤثر في المسيرة كتاب، أو يوقفها كاتب. بديهي أن من لا يخاف النقد، واثق من نفسه. الديكتاتوريات تصادر الكتاب، وتزج بكاتبه بالسجون، وتمنع الإنترنت وتصادر الأطباق اللاقطة وتطارد المعارضين. في مهرجان الجنادرية شاهدت بعضاً امتهنوا الهجوم على المملكة بمناسبة وبدون مناسبة. إن مناخ الحرية الذي تعيشه المملكة العربية السعودية انعكاس لاستراتيجية حديثة وواعية للحرب ضد الإرهاب. كانت الحرية في الماضي هي أول ضحايا أي نظام للحرب على مناوئيه ومعارضيه بحجة حفظ الأمن واستتباب النظام، لكن على العكس من ذلك، ومخالفة لتراثنا العربي السياسي المحزن، أطلقت المملكة المزيد من الحريات الفكرية والثقافية والسياسية كأحد أهم أسلحتها في مواجهة الإرهاب الذي روّع مواطنيها وقتل الأبرياء على أرضها، ووجهت رسالة لكافة مواطنيها مفادها: أنتم على قدر المسؤولية، والمعركة مشتركة وجماعية، وسننتصر بها مجتمعين شعباً وقيادة ونحن نردد: "من لبس ثوب الديانة... غدر وإرهاب وخيانة خاين خان الأمانة... ما يدنّس سورنا" الحديث مع الأكاديميين والمفكرين السعوديين لتعزيز مسيرة الانفتاح والإصلاح النهضوي، يتطرق أول ما يُفتح إلى التعليم والمناهج التعليمية، ويجمعون على أنه مفتاح كل تغيير، ومدخل كل إصلاح لخلق جيل يدرك ما حوله في عالم اليوم. بعثات دراسية لأفضل الجامعات في الخارج بلغت خمسين ألفاً للطلبة المبعوثين برسالة جدية لتعليم نوعي جاد. 1700 طالب تمت إعادتهم للمملكة لكسل تحصيلهم العلمي أو لانحراف سلوكهم أو ضلالهم. تعليم مشترك لأول مرة في محراب البحث العلمي في جامعة الملك عبدالله، وقيادة المرأة للسيارة "مسألة وقت لا أكثر" - مثلما أخبرني أحد المتابعين السعوديين. حوار شمل كافة فئات وطوائف المجتمع السعودي، وأنهى فكر العزل والقطيعة الذي أشاعه من يظن أنه يحتكر الحقيقة. هل يكفي ما تحقق ويتحقق في المملكة العربية السعودية؟ لا، ليس بكافٍ، فمن يصف التغيرات السعودية في السنوات الأخيرة بالكمال منافق، ومن يتجاهلها ويبخسها حقها، جاحد وغير منصف. لكن "على قدر أهل العزم" تكون التوقعات وتبنى التطلعات. وقدر المملكة العربية السعودية أنها تقود، ومصيرها أنها في الدور الريادي دوماً، وقدرها أنها تؤثر أكثر مما تتأثر، وتوجِّه ولا توجَّه بتعليمات الآخرين، المتفائلون ينتظرون المزيد، "والجواب أغنى السؤال".