ثلاث وأربعون دقيقة من الإهانة والشد والجذب بين هيلاري كلينتون ونتنياهو حول عملية السلام الفاقدة لمعناها، وخاصة بعد الإعلان عن المزيد من بناء المجمعات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية التي يفترض أن تبنى عليها الدولة المنشودة. يذهب البعض إلى أن أميركا تعيش أضعف فترات التأثير على الآخرين، خاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، ولذا فإن الإهانة الأخيرة اقترنت بالإصرار من قبل كلينتون على التأكيد أنه برغم ذلك، فالعلاقة لا زالت "قوية" وغير قابلة للتراجع، وهو أمر معروف كجزء أصيل من الاستراتيجية الأميركية التي لا تتغير بتغير الحكومات، وإن حدث، فإنه لا يتعدى الأمر نطاق المصطلحات وأيضاً التكتيكات التي تفترضها المتغيرات الدولية. فالعلاقة قائمة في جوهرها لم تزعزعها إهانة مباشرة، واللوبي الصهيوني واعٍ لهذه المعادلة المحيرة لدى البعض وخاصة في عهد أوباما. نقول للمتأملين ولو بدرجة 1 في المئة، بأنه سيأتي يوم ويعلن الفراق بين أميركا وربيبتها، حتى لو بدا أن العملية السياسية أخذت طابع الرسوخ ولم تتراجع لأي سبب، بل إن التأكيد يتواصل على مزيد من القوة التي يعلن عنها في كل دورة رئاسية بين الجانبين. إذن، أين مكمن الخلل الذي يراد منا إصلاحه كأصحاب قضية طال عليها الأمد وجفت الأقلام من أحبارها التي لم تضف إلى "الجوهر" لدينا شيئاً يؤثر في خلخلة العلاقة بين دولتين واحدة بحجم الذبابة وأخرى بحجم الفيل، ويريد البعض أن ندخل الذبابة أو النملة إلى أذن أم أنف الفيل للأذى. بغض النظر عن قوة العلاقة بين أميركا وإسرائيل جاء اعتراف كلينتون بالإهانة الأخيرة لبلادها من قبل الفم الذي لا زالت تطعمه بلا تردد ولا منة. فالعلاقات الاستراتيجية بين الدولتين لا تبنى على العواطف الوقتية والدموع الساخنة التي تساح بينهما، وإنما العهدة هنا للمواقف التي تذهب بعيداً عن الآنية والفورة أو الرغوة الثائرة التي تذهب غثاءً. إسرائيل تتعامل مع أميركا كدولة اعتبارية كاملة السيادة مع دولة أخرى مهما كان حجمها الدولي وعظمتها، فهي تتصرف في هذا الإطار الطبيعي. ومن هنا نجد أن الظرف الآني وطبيعة التغيرات المؤقتة لا يؤثران على أصل العلاقة التي غدت أقرب إلى نص "مقدس" من نصوص الدستور الأميركي. فالسياسة هنا هي اللاعب الرئيسي في الموضوع كله وفن إدارة الصراعات أو الخلافات البينية هو المحك الذي قد يفشل فيه الكثيرون ولن ينجح فيه البعض لتمرسه في القدرة على إدارة التناقضات المتصارعة في أكثر القضايا حساسية ليس على المستوى الداخلي للمجتمع فحسب وإنما أيضاً على المستوى الخارجي أو العالمي والذي قد يؤدي هامش الخطأ فيه أو في تقديره إلى نشوء حروب بين الدول. تُرى اليوم من أحوج إلى الآخر في خانة "الإهانة" هذه، إسرائيل أم أميركا؟ في علاقات الدول يفترض أن رئيس أي دولة أو رئيس وزرائها لا يمثل شخصه، فنتنياهو هنا لا يتصرف من تلقاء نفسه ولا يصرف من "جيبه" على هذا النوع من العلاقة بينه وبين أميركا. فالقضية المحورية هنا ليست نتنياهو ولا كلينتون ولا أوباما ولا بايدن، لأن الأهم من ذلك هو السياسة التي يتم التفاهم حولها لإدارة شؤون دولتين مستقلتين عليهما مسؤوليات واضحة تجاه شعبيهما وليس حزبيهما في الداخل، والتزامات إقليمية ودولية لا يدخل الإرغام ولا الإجبار في الأجندة العامة لإدارة هذه العلاقة الشائكة والواضحة في آن واحد حتى وإن كانت عن طريق الإهانة التي صدرت من إسرائيل تجاه أميركا، فإننا لن نسمع عن قعقعة حرب معلنة من المهان وباعترافه إلى المُهين، وإن كان في نظر البعض مهيناً ولا يكاد يبين على الخريطة الجغرافية.