على مدى سنوات طويلة تفاوتت أسعار السلع والخدمات بصورة كبيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل إن هذا التفاوت شمل فترة ما بعد قيام المجلس، حيث كان لهذا التفاوت ما يبرره بسبب الفارق بين نسب الرسوم الجمركية في هذه البلدان. ومع تطبيق التعرفة الجمركية الموحدة أو الاتحاد الجمركي منذ بداية عام 2003 توحدت نسب هذه الرسوم لتصبح 5 في المئة فقط، مما خلق انطباعاً منطقياً لدى المراقبين، بأن الأسعار ستتقارب إلى درجة التطابق بين دول المجلس، كما هو الحال في التكتلات الاقتصادية الأخرى، وخصوصاً أن دول المجلس أبرمت اتفاقيات تجارية جماعية مع بعض الشركاء التجاريين الرئيسيين، كما أنها قررت استيراد بعض السلع الاستراتيجية والغذائية بصورة جماعية للحصول على أسعار تفضيلية وتوفير هذه السلع بأسعار رخيصة نسبياً في أسواق دول المجلس. وتعتبر اتفاقية الرسوم الجمركية الموحدة والمقدرة بخمسة في المئة من ضمن الاتفاقيات الخليجية الأسرع تطبيقاً، وذلك على رغم بعض العقبات التي يواجهها الاتحاد الجمركي، فيما يتعلق بنقطة الدخول الواحدة وتوزيع الحصيلة الجمركية. غير أن مثل هذه التطورات لم تنعكس، كما هو مفترض، على تقارب الأسعار، بل إن أسعار بعض السلع الأساسية، كأسعار الرغيف ازدادت تفاوتاً، مما يثير الحيرة ويدعو إلى ضرورة مراقبة الأسعار ووضع الأنظمة التي تحد من عملية التلاعب. صحيح أن أسعار بعض السلع الغذائية والأدوية مدعومة في بعض دول المجلس، وغير مدعومة في البعض الآخر، إلا أن نسبة الدعم التي لا تتجاوز 50 في المئة تقريباً، لا تبرر التفاوتات التي تصل إلى الضعف فيما يتعلق ببعض السلع المهمة، كالرغيف والأدوية. وإذا ما أخذنا هاتين السلعتين المهمتين، كمثال دون التطرق للتفاصيل، فإن تفاوت الأسعار بالنسبة للرغيف يصل إلى 150 في المئة، وبالنسبة للأدوية يصل إلى 100 في المئة، بما فيها بعض أسعار الأدوية التي أصبحت ضرورية، كالغذاء بسبب انتشار الأمراض العصرية الخطيرة على صورة وباء بين مواطني دول المجلس، كالسكري وضغط الدم المرتفع. الغريب أيضاً أن هذا التفاوت يحدث في ظل الشراء الخارجي الخليجي المشترك من المصدر نفسه، كما أن أسعار السلع معروفة ومدونة بصورة يومية على شاشات التعامل في البورصات العالمية. وربما يرجع البعض هذه الفروق في الأسعار إلى عوامل تتعلق بتكاليف النقل وأسعار الخدمات، وهي حقيقة موجودة، إلا أنها لا تبرر الفرق الشاسع في الأسعار، وخصوصاً أن التطورات في السنتين الماضيتين قربت كثيراً بين أسعار الخدمات في دول المجلس. وبما أن استمرار هذه الفروق سينعكس سلباً على التعاون الخليجي بصورة عامة وعلى الأسواق ذات الأسعار المرتفعة بصورة خاصة، فإن معالجة هذه المسائل الخاصة بالأسعار بحاجة إلى حلول سريعة ودائمة، وإلى تفعيل إدارات مراقبة الأسعار التابعة لوزارات الاقتصاد والتجارة في دول المجلس، حيث يلاحظ ضعف الرقابة على الأسعار بشكل عام. وبالتأكيد، فإن لمثل هذه التفاوتات أسباباً لابد من معالجتها، علماً بأنها في معظمها أسباب غير موضوعية وتتعلق بمحاولات تحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح في ظل غياب أو ضعف الرقابة في الأسواق الخليجية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك تجارب ناجحة تتعلق بتحديد ومراقبة الأسعار في بعض البلدان الخليجية يمكن الاستفادة منها وتطبيقها بصورة جماعية، حيث يمكن لوزارات الاقتصاد والتجارة والغرف التجارية ومؤسسات حماية المستهلك الموجودة في كافة دول المجلس التنسيق فيما بينها بهذا الخصوص، دعماً لتناسق وتكامل الأسواق الخليجية وانعكاساً لإيجابيات الشراء المشترك للعديد من السلع الأساسية المرتبطة بالغذاء والصحة على وجه التحديد، ولارتباط ذلك بمستويات المعيشة وزيادة القدرات التنافسية لدول مجلس التعاون الخليجي.