هناك سمتان رئيسيتان للمدارس العامة الأميركية. فخلال القرن الماضي كله، سيطرت على مدارسنا "الفكرة الكبيرة"، أي أن تبرز في كل مرة إحدى المنظمات أو الهيئات لتقترح حلولاً سهلة لمشاكل نظامنا التعليمي. أما السمة الثانية، فتتلخص في عدم وجود أي حلول سهلة لهذه المشاكل، سحرية كانت أم غيرها. والحقيقة أن إصلاح النظام التعليمي عملية بطيئة تتطلب عملاً شاقاً، وطلاباً راغبين فيها، ومعلمين مخلصين أوفياء لمهنتهم، وعائلات تدعم جهودهم، فضلاً عن وجود منهج تعليمي مبتكر وملهم. وبصفتي مؤرخة للتعليم، فلطالما حذرت من خطر الانجذاب إلى "الأفكار الكبيرة" التي تعد بإصلاح نظامنا التعليمي. ذلك أن الانزلاق وراء سراب هذه الوعود والأفكار الإصلاحية، كثيراً ما يشتت الاهتمام والأنظار عن العمل اليومي الدؤوب الواجب أداؤه في مجال التعليم. وهذه حقيقة تنطبق على عصرنا الحالي؛ فنحن اليوم في مواجهة موجة من الأفكار الإصلاحية القائمة على الاعتقاد بأن في وسع اختيار المدرسة المعينة، والمسؤولية الأكاديمية المؤسسة على أداء الطلاب في الامتحانات والاختبارات، أن تحدثا تحسناً هائلاً لمستوى الإنجاز الأكاديمي للطلاب. وهنا أيضاً أجد نفسي مضطرة لدق أجراس الإنذار من خطر هذه الفكرة الكبيرة. وفي هذه المرة يحمل إنذاري نبرة شخصية خاصة. فخلال الجزء الأعظم من العقدين الماضيين، كنت قد شاركت مع غيري من القادة التعليميين في الدفع باختيار المدرسة والمسؤولية الأكاديمية كما لخصته في الفقرة أعلاه. وكان في اعتقادي أن هذا الخيار سوف يعطي التلاميذ والطلاب ضعيفي الأداء، فرصة للهرب من المدارس الفاشلة. وضمن ما اعتقدته أن من شأن الاختيار والمسؤولية أن يعري مدارسنا المتدنية الأداء ويرغمها على تحسين مستواها. وقد بدا لي كل ذلك معقولاً، رغم عدم توافر أي أدلة تطبيقية على صحته، ورغم أن الفكرة كلها لم تزد عن كونها وعداً وأملاً. واليوم توافرت أدلة تطبيقية عملية، أكدت أن خيار المنافسة والمسؤولية، كرافعة للإصلاح التعليمي، لم يجد نفعاً. والمؤسف أن إدارة أوباما، مضت في تطبيق خياراتها وأفكارها المشابهة، مدفوعة في ذلك بثقة مفرطة في الذات. فها هي تعمل دون كلل أو ملل على تطبيق برنامج "السباق نحو البرنامج الأعلى"، وهو برنامج تعليمي إصلاحي يقوم على أساس التنافس وتقديم الحوافز للأداء الأكاديمي المتميز، لكنه لا يختلف كثيراً عن فكرة الاختيار والمسؤولية الأكاديمية الذي كنا قد دفعنا به سابقاً. وفي هذه المرة أيضاً، ربما تكون النتيجة: تدني مستوى مدارسنا وليس تحسنها أو تقدمها. والذين لم يراقبوا أداء العملية التعليمية جيداً ربما يخيل إليهم أن نظامنا قد بدأ بالتحسن أخيراً، وربما يتساءلون: ما الخطأ في أن نجعل المدارس الخاصة المرخصة تتنافس مع المدارس الحكومية العامة؟ ولماذا لا نطالب المعلمين والقائمين على العملية التربوية بالخضوع لمعايير المحاسبة، ونستخدم نتائج الاختبارات التي يخضعون لها لمكافأة أفضل معلمينا، وحصر أولئك الذين يتعين عليهم ترك المهنة والبحث عن مهنة أخرى يعيشون عليها؟ إجابتي عن هذين السؤالين وغيرهما، هي أن الأفكار الواردة فيهما ربما تبدو راشدة وجذابة، لكنها في الواقع مثل "الفكرة الكبيرة" التي لا تثمر شيئاً ولا تساعد على تحسن نظامنا التعليمي. كما أن فكرة المدارس المرخصة نفسها ليست حلاً. فلدينا حالياً نحو 5 آلاف مدرسة منها، تتفاوت فيما بينها؛ فبعضها ممتاز وبعضها رديء جداً. وكشفت معظم الدراسات حول أداء هذه المدارس، عن كونها ليست أفضل حالاً من المدارس الحكومية العامة من ناحية الأداء التعليمي. ففي الاختبارات الفيدرالية التي تعرف باسم "التقويم القومي للتقدم التعليمي"، التي أجريت سنوياً بين 2003-2009، لم يحدث للمدارس الخاصة المرخصة أن تجاوزت المدارس الحكومية العامة من حيث الأداء. كما لم يحدث للطلاب السود واللاتينيين المسجلين في المدارس الخاصة المرخصة، أن تفوقوا من ناحية الأداء الأكاديمي على أقرانهم المسجلين في المدارس الحكومية العامة. وفي هذه الحقيقة شيء من الغرابة والمفاجأة. ذلك أن للمدارس المرخصة مزايا عديدة تميزها عن المدارس الحكومية. فالمعروف عن المدارس المرخصة أن معظمها يختار طلابه على أساس القرعة. بينما يعرف الطلاب المسجلون فيها، بأنهم الأكثر حماساً للتعليم بين الطلاب المنتمين إلى العائلات الفقيرة. إلى ذلك يحق لهذه المدارس التخلص من الطلاب الذين لا يلبي أداؤهم الأكاديمي المعايير التي تطالبهم بها. وكشفت دراسة "كيب" التي أجريت لهذه المدارس في منطقة سان فرانسيسكو مؤخراً، أن نسبة 60 في المئة من الطلاب الذين بدأوا صفهم الدراسي الخامس في هذه المدارس قد تركوها قبل استكمال صفهم الدراسي الثامن، مع ملاحظة أن غالبية المغادرين هم من الطلاب ضعيفي الأداء. كما كشفت دراسات عن هذه المدارس في بوسطن ونيويورك وواشنطن، ضآلة نسب الطلاب الذين يصعب تعليمهم بشكل عام، مقارنة بنسبة الفئة نفسها من الطلاب في المدارس العامة. ولما كانت هذه الأخيرة ملزمة بأن تدرّس كل من يلتحق بها، بصرف النظر عن حالته الذهنية أو الجسمانية، فمن الطبيعي أن تقل نسبة الفئة المذكورة من الطلاب في المدارس الخاصة المرخصة. وبتبنيها لأجندة الجمهوريين في مجال إصلاح النظام التعليمي، سوف تعمد إدارة أوباما إلى خصخصة معظم المدارس الأميركية، لتفتح الباب واسعاً أمام تدني التعليم وتقويض مهنة التدريس من أساسها. ديان رافيتش مؤرخة تعليمية ومؤلفة كتاب: موت وحياة النظام المدرسي الأميركي العظيم" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم سي تي إنترناشيونال"