في غضون أسابيع قليلة اضطرت إسرائيل للاعتذار مرتين. أولاً عندما تعمد نائب وزير الخارجية إهانة سفير تركيا التي يفترض أنها صديقة لكن ناقدة، وإسرائيل لا تقبل النقد حتى من الأصدقاء. وثانياً بعدما تعمد رئيس الوزراء، بواسطة وزير داخليته، إهانة نائب الرئيس الأميركي الزائر، وهو المعروف والموصوف بأنه الأكثر قرباً وتعاطفاً مع إسرائيل في الإدارة الأميركية الحالية. في المرة الأولى طولب نتنياهو داخلياً بإجراء ضد داني إيالون، ليس من أجل تركيا وإنما لأنه من كبار مسؤولي الدبلوماسية وتصرف بطريقة سوقية لا علاقة لها بالدبلوماسية، إلا أن رئيسه تضامن معه. وفي الثانية وضع نتنياهو اللوم على الوزير إيلي يشاي الذي اتخذ قراراً يفترض أنه يمس "استراتيجية" الحكومة المتعلقة بـ"تجميد" شكلي كاذب للاستيطان استدراجاً للفلسطينيين إلى مفاوضات ولو غير مباشرة، وبرمج إعلان القرار ليأتي بمثابة استقبال حار للصديق جو بايدن. لا داعي لانتظار إهانة ثالثة (قد تتعرض لها غداً وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون) لإدراك أن حكومة إسرائيل الحالية تتبع سياسة مدروسة هي الرعونة. قبل نائبه، كان أوباما خبر شخصياً شيئاً من صلف هذه الدولة المارقة، لكن الصديقة والحليفة أيضاً، التي تتوقع منها واشنطن أن تكون متعاونة أو على الأقل آخر من يعمل على إفشال سياساتها. وكان نتنياهو تفاخر علناً بأنه كسر الضغط الأميركي لوقف الاستيطان، وأجبر أوباما على التراجع، ولم يكتف بذلك بل توعد بأنه يستطيع أن يهزم الرئيس الأميركي في الكونجرس. وعلى رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نال توبيخاً في لقائه الأخير مع أوباما، إلا أنه ماضٍ في تنفيذ وعيده. كذلك على رغم أن صديقة أخرى لإسرائيل مثل هيلاري كلينتون اضطرت لتوبيخه على إحراجه لبايدن، فإن نتنياهو يرى في توالي التوبيخ له دليلاً على أن سياسة الرعونة تحقق أهدافها. ففي السنة الأولى لأوباما أسقط "ليكود" المطالبة بوقف الاستيطان، وفي الثانية سيسقط المفاوضات والسلطة الفلسطينية المعتدلة، وفي الثالثة قد يفتعل حرباً للإرباك وخلط الأوراق، وفي الرابعة يحشد كل النفوذ الصهيوني لمنع أوباما من البقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية. فبعد الآن لن تسمح إسرائيل بمجيء رئيس أميركي يحاول التفكير من خارج الأجندة التي تضعها... هكذا يفكر نتنياهو ووزراؤه المتطرفون المزايدون عليه. لكن عليهم قبل ذلك أن يتعاملوا مع الأزمة الراهنة، وهي أزمة حقيقية بالمقاييس الأميركية، لا العربية. أسوأ الحلول لهذه الأزمة قد يأتي من معالجتها "بين حلفاء" أو "بين أصدقاء" كما يمكن أن يقال. سيكون الأسوأ للإدارة الأميركية نفسها، وليس للعرب الذين ليست لديهم أوهام، لأن مثل هذا الحل سيطمئن نتنياهو إلى أنه يستطيع أن يواصل العمل على طريقته. قد يدخل مفاوضات غير مباشرة فقط ليتأكد من أنه سيكون كفيلاً بإفشالها. قد يوهم الأميركيين بأنه سيلتزم التوصل إلى حل نهائي خلال سنتين، فقط لينتزع درجة أعلى من التشدد الأميركي حيال إيران، ومن دون أن يسمح للحل النهائي بأن يرى النور. قد يعلن تجميداً مؤقتاً للاستيطان، فقط لاستفزاز حلفائه المتطرفين في الحكومة ليمارسوا أقصى العبث في المواقع الإسلامية المقدسة. لم تكن الإهانة لبايدن وإنما لأوباما نفسه. أرادت إسرائيل أن تبرهن للعرب والفلسطينيين أن التعهدات الأميركية التي يستندون إليها لدخول المفاوضات لا تساوي شيئاً على الإطلاق. الأزمة الحالية يجب أن تشخص بل يجب أن تشكل فرصة لحل يقوم على توضيح الالتزامات وليس على مساعدة نتنياهو على التخلص منها، فهو يبحث أساساً عن أي ذريعة لإحباط التفاوض وتأجيل موجبات الحل النهائي ومتطلباته. طوال عقدين من الزمن كان العرب يقولون إن إسرائيل لا تريد السلام. والآن أصبح الجميع يقولون ذلك. ولا يكفي أن تقوله أميركا أيضاً، فهي قبل سواها مطالبة بأن تحمل إسرائيل على التصرف بمسؤولية، وليس كدولة مارقة.