إذا ما تحدثنا على المستوى الدولي، فليس هناك سوى قضيتين فحسب يتداولهما العالم اليوم بشأن الشرق الأوسط: أميركا والنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، ثم إسرائيل وإيران. وقد هيمنت هاتان القضيتان على مناقشات الاجتماع السنوي لمعهد الدراسات السياسية المتوسطية، الذي يعرف أيضاً بنادي موناكو، وهو عبارة عن مجموعة من كبار المسؤولين والمراقبين المتقاعدين من أوروبا وأميركا والشرق الأوسط، وقد عقد اجتماعه السنوي هذه المرة في العاصمة القطرية الدوحة. وقد عمّ القلق من احتمالات توجيه ضربة إسرائيلية لإيران، ما يؤدي إلى تصعيد عسكري خطير سوف تكون له عواقبه السلبية المستديمة، خاصة على الولايات المتحدة نفسها. ويذكر أن الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، كان قد زار إسرائيل في فبراير المنصرم، بهدف تحذيرها من توجيه ضربة عسكرية لإيران. ومنذ ذلك الوقت، وصلت إلى الكل تلك الرسالة تقريباً. وخلال اللقاءات الجانبية التي عقدت حول الحرب الأفغانية، تحدث الأدميرال في مؤتمر صحفي عقده يوم الثاني والعشرين من الشهر الماضي في البنتاجون، مبيناً ما وصفه بـ"أهم حقائق الحرب: فظائعها"، مع ملاحظة أن الأدميرال قد تقدم به العمر بما يكفي لكونه أحد الشهود الحاضرين لحرب فيتنام، خلافاً لكثير من كبار القادة العسكريين الأميركيين اليوم. وتتلخص الرسالة التي أبلغها الأدميرال للإسرائيليين في قوله: إن أي ضربة لإيران، سوف تتسبب بمشكلة كبيرة... كبيرة... كبيرة لنا جميعاً... وإني لعلى قلق شديد من العواقب غير المقصودة لهذه الضربة". ورغم تحذيرات الأدميرال هذه، لا تزال إدارة أوباما تشجع بطريقة غير مباشرة تلك النزعة العدوانية الإسرائيلية، بفشلها (الإدارة) في التصدي للامبالاة حكومة نتنياهو، بمطالبة الإدارة لها بوقف أنشطتها الاستيطانية. فبدلاً من الاستجابة لذلك المطلب الحيوي المرتبط بتهيئة مناخ ملائم للتفاوض السلمي بين طرفي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تمادت حكومة نتنياهو بإعلانها الأسبوع الماضي عن بناء 1600 وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدس الشرقية. ومما لا شك فيه أن هذه الإهانة المتعمدة لإدارة أوباما، قصد منها تعزيز موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي داخلياً، ما يعني كذلك تعزيز موقف حزب "الليكود" اليميني المتطرف. والأهم من ذلك، أن هذه المعاملة الإسرائيلية المهينة لنائب الرئيس والرئيس الأميركي نفسه، قصدت منها إسرائيل القول للفلسطينيين بصفة خاصة، وللعرب عامة، إن قدرة "الليكود" على الابتزاز السياسي للإدارة والكونجرس الأميركيين، تفوق أي تصور لما يمكن أن تفعله إسرائيل. وكان أول الأخبار التي تلقاها نائب الرئيس الأميركي إثر وصوله لإسرائيل يوم الثلاثاء الماضي، لإطلاق جولة جديدة من التفاوض بين الجانبين، وتقديم محاضرة في إحدى الجامعات الإسرائيلية عن علاقات التضامن الأميركي -الإسرائيلي، هو الإذن الذي أصدره وزير الدفاع الإسرائيلي ببناء 12 وحدة سكنية استيطانية جديدة، ثم أعلن نبأ بناء الـ1600 وحدة إضافية بعده! هذا وقد انطلقت مبادرة لإجراء مفاوضات جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس غير مباشر، يؤدي خلالها مبعوث الرئيس الخاص، ميتشل، دور الوساطة. ولكن ليس غريباً ألا يتوقع أحد أن تسفر هذه المفاوضات عن جديد. فحكومة نتنياهو ماضية في عزمها على احتلال وضم مزيد من الأراضي الفلسطينية. ويذكر هنا أن "مبادرة جنيف" كانت قد حسمت كافة القضايا المثارة في المفاوضات الحالية، وتم الاتفاق عليها من قبل الطرفين. بيد أنها لم تسفر عن أي شيء وأصبحت فاقدة لمعناها، طالما ظلت السياسات الإسرائيلية على ما هي عليه. لكن هناك مبادرتين لا تزالان تستحقان المناقشة والنظر، لأنهما تتضمنان تدخلاً دولياً في النزاع. تنسب الأولى إلى وزير الخارجية الفرنسي كوشنير، والعنصر الرئيسي فيها هو خطة للاعتراف الدولي بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة داخل حدود الأراضي المعترف بها من الأمم المتحدة، رغم استمرار بقاء بعض هذه الأراضي تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقد وصف مؤخراً هذه الخطة المعلق السياسي دومنيك مواسي، المعروف بصداقته لإسرائيل، بأنها "ترمي إلى إنقاذ إسرائيل من نفسها... كدولة تحولت إلى رهينة بأيدي أحزابها اليمينية المتطرفة". وقارن في هذا الصدد بين جنون القادة الإسرائيليين وانتهاكاتهم الصارخة بحق الفلسطينيين، وتلك الفظائع التي ارتكبت في رواندا وسبرينتسيا. أما المبادة الثانية، فتمت مناقشتها في اجتماع الدوحة المشار إليه في مطلع هذا المقال، وتتلخص في أن الأمم المتحدة كانت قد قسمت فلسطين في عام 1947، وأعلنت عن قيام دولة إسرائيل. وبالنتيجة فقد تم الاعتراف دولياً بإسرائيل في حدودها لعام 1967. وعلى الأمم المتحدة أن تستكمل خطوتها تلك بالإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة جنباً إلى جنب إسرائيل، والاعتراف الدولي بسيادتها على حدودها التي ينبغي ترسيمها. وكما نعلم فإن للولايات المتحدة حق الفيتو في اجتماعات مجلس الأمن الدولي. غير أن المجلس كان قد أصدر قرارات عام 1947 بناءً على ما أقرته الجمعية العامة بهذا الشأن. وليس لأي دولة من الدول حق الفيتو على قرارات الجمعية العامة. والسؤال: هل تقف واشنطن اليوم من معارضة إسرائيل للإعلان عن استقلال الدولة الفلسطينية، موقفها ضد عدوان كوريا الشمالية على جارتها الجنوبية في جلسة مجلس الأمن الدولي عام 1950، وهو الموقف الذي اعترضت عليه موسكو بممارسة حق النقض ضده حينئذ؟ ------- ينشر بترتيب خاص "تريبيون ميديا سيرفيزيس"