على رغم المعاناة الكبيرة لأسواق المال العربية والخليجية وزحفها البطيء نحو التعافي، مقارنة بأسواق المال العالمية، فإن هناك من يحاول وقف هذا التعافي من خلال تقييمات أسعار الأسهم التي لا تستند إلى أسس علمية، بقدر اعتمادها محاولات مستميتة للتأثير في أسعار الأسهم من منطلق تحقيق مكاسب سريعة، وخصوصاً أن تقييمات الأسهم تأتي عن طريق شركات استثمار ومضاربة لها مصلحة كبيرة في الإعلان عن تفاوتات كبيرة وغير منطقية لأسعار الأسهم خلال فترات زمنية قصيرة. والغريب أن إدارات أسواق المال العربية والخليجية لا تعير أهمية تذكر لتلك التقييمات السعرية التي تثير البلبلة والتقلبات الحادة في هذه الأسواق، فهناك تضارب بين مصالح الشركات التي تصدر مثل هذه التقييمات السعرية وتعاملاتها في أسواق المال. ولنأخذ على سبيل المثال بعض هذه التقييمات، فبنك "كريدي سويس" النشط في تجارة الأسهم في العديد من البورصات الخليجية والعربية، حدد سعر سهم إحدى الشركات العقارية قبل سنة تقريباً عند ثلاثة دراهم و90 فلساً، ثم جاء قبل شهرين وخفض سعر الشركة إلى الحضيض بصورة غير مهنية إلى ثلاثة فلوس فقط، مما أثار الكثير من البلبلة وخفض سعر سهم الشركة إلى 45 فلساً، علماً بأن سعره الاسمي يبلغ درهماً واحداً. وبالتأكيد، فإن شركات العقارات في بلدان العالم، بما فيها منطقة الخليج تعاني من مصاعب عديدة، إلا أن ذلك لا يبرر هذا التناقض الكبير في تقييم سهم الشركة الذي أصبح شبه مجاني! وهو سعر لم تصل إليه حتى أسعار الشركات والبنوك المنهارة، كبنك "ليمان برذرز". وفي مجال تقييم أسهم مؤسسات القطاع المصرفي ذي الأداء الجيد بشكل عام قيمت شركة "هيرمس" سهم أحد البنوك عند بداية الأزمة بـ 9.70 درهم مع توصية قوية بالتجميع على السهم على المديين القصير والطويل، إلا أنها عادت وخفضت سعر السهم بصورة حادة قبل شهرين عند 2.30 درهم. وفي الاتجاه نفسه قيمت شركة "هيرمس" النشطة في مضاربات وتجارة الأسهم سهم إحدى الشركات القطرية الرائدة في المنطقة عند 190 ريالاً قطرياً مع بداية الأزمة، ومن ثم خفضت سعر هذه الشركة بعد شهرين فقط إلى 112 ريالاً. هذه بعض الأمثلة على محاولات توجيه أسواق المال في المنطقة وفق مصالح بعض الشركات التي تتعامل بنشاط في التداولات اليومية، والتي تضر بأسواق المال وبالمستثمرين على حد سواء، مما يتطلب من إدارات أسواق المال اتخاذ خطوات ترمي إلى تنظيم عملية التقييمات من خلال وضع أنظمة ولوائح جديدة تفصل ما بين الشركات التي تملك محافظ استثمارية للتداول في أسهم الأسواق الإقليمية وبين قيامها بتقييمات تعبر عن مصالحها وتوجهاتها الاستثمارية أكثر من تعبيرها عن الأسعار الحقيقية للأسهم المقيمة. هذه إحدى القضايا التي لابد أن توليها إدارات البورصات العربية والخليجية الأهمية التي تستحقها، فتقوم بسن التشريعات التي تمنع الشركات المتداولة والمضاربة في الأسواق المالية من القيام بعمليات تقييم، وأن توكل ذلك لشركات متخصصة ومحايدة، حتى تكتسب هذه التقييمات المصداقية اللازمة وتكون مفيدة لتطور هذه الأسواق وتقدم معلومات محايدة يستطيع من خلالها المتعاملون والمستثمرون تحديد توجهاتهم الاستثمارية. أما ترك هذه القضايا المهمة على ما هي عليه من تقييمات متفاوتة بصورة حادة وتقلبات غير موضوعية، فسيسيء بصورة أكبر لهذه الأسواق، وسيساهم في عدم استقرارها وتعافيها بالصورة المرجوة بما يعكس حقيقة أوضاع الشركات المساهمة في أسواق المنطقة التي حقق معظمها نتائج جيدة مع نهاية العام الماضي 2009.