أول جهة يمكن أن تتبادر إلى ذهن أي شخص ليقدم شكواه عندما يتعرض إلى إساءة في المعاملة من قبل أي مؤسسة، سواء أكانت حكومية أم خاصة، هي الصحافة أو وسائل الإعلام بصفة عامة لاسترداد حقه والحصول عليه، رغم أن الطبيعي في الأمر هو اللجوء إلى المسؤولين في إدارة المؤسسة التي تسببت في حدوث أضرار. وبعدها، وفي حالة عدم التفاعل مع شكواه، يمكن أن يلجأ إلى الإعلام. وهناك قناعة بأن وسائل الإعلام تمتلك الشجاعة في تبني شكاوى الناس أكثر، في مقابل أن المسؤولين في المؤسسات يحاولون تجاهل الشكوى، حتى ولو على حساب المصلحة العامة. وهناك قناعة أخرى بأن المسؤولين التنفيذيين في دوائرنا المحلية يخافون من وسائل الإعلام "الفضيحة" أكثر من خوفهم من خسارة المتعامل؛ والسبب أن تلك المؤسسات تعتمد في ميزانياتها على الدعم الحكومي، سواء المباشر أو غير المباشر (الحصول على عقود من المؤسسات) وبالتالي من الطبيعي ألا تهتم برضى المتعامل، فالمسؤول لا يدخل في تنافسية من أجل إقناع الجمهور بما تقدمه شركته من خدمات، وبالتالي فهذا يجعله غير مدرك لأهمية سمعة الشركة أو المؤسسة رغم أن الإدارة الحديثة تهتم كثيراً بسمعة الشركة. لجوء الجمهور إلى وسائل الإعلام لتقديم الشكوى أمر جيد باعتبارها السلطة الرابعة، وهو دليل على عمق تأثيرها، وقد شاهدت كيف أن مسؤولاً في إحدى الشركات الوطنية اشتكى إلى رجال الأمن ليمنعوا شخصاً قال له "سوف أبلغ الجريدة"، واستعان بكاميرته في تصوير الموقف، وحدث ذلك قبل أسبوعين تحديداً في مطار أبوظبي، عندما تم تأجيل إقلاع طائرة قرابة عشر ساعات، وبعد أن عجز الناس عن الانتظار وبدؤوا بالتذمر مما حدث، دون أن يأتي مسؤول ليعتذر إليهم مما حدث، أو يقدم لهم خدمة تخفف عنهم بعض ما عانوه. في الواقع، إن التساؤل الذي جاء في العنوان لا يبحث عن إجابة بقدر ما يفتح الباب لتساؤلات أخرى كثيرة تحدث في المجتمع المحلي وتحتاج إلى تحرك حقيقي لمعالجتها من قبل المسؤولين التنفيذيين؛ من أجل منع الكثير من التداعيات والآثار السلبية التي يمكن أن تحدث نتيجة لتصرفات غير مسؤولة. أصبحت هناك قناعة مجتمعية بأن وسائل الإعلام، مثل البث المباشر، لديها الشجاعة والجرأة أكثر من المسؤولين التنفيذيين في المؤسسات الحكومية على صناعة الموقف واتخاذ القرار من أجل استرداد حقوق الناس، رغم أن المؤسسات الناجحة في العالم عادة ما تقاس نجاحاتها بقدرة المسؤول التنفيذي على مواجهة موقف يحفظ فيه حقوق الجمهور، ويستطيع أن يتصرف بمنطق في أصعب اللحظات؛ لأنه بذلك يبني سمعة حقيقية للمؤسسة، حتى لو أدى ذلك نظرياً إلى الخسارة في اللحظة نفسها، لكنه يبنى على المدى البعيد. الاعتقاد بأن الوسيلة الإعلامية أكثر إنصافاً وتميزاً بالعدالة من بعض المسؤولين في المؤسسات، أمر يستوجب الاهتمام به؛ فهناك كثير من الأشياء التي تحتاج من المسؤولين المباشرين الوقوف عليها وعدم الانتظار إلى أن يتدخل الشيوخ، أو يجري تحويل الموضوع إلى المحاكم، أو الانتظار لحين حدوث كارثة. بل إن السكوت على مشكلة كهذه ربما يدفع بنا لأن نخسر الكثير، خاصة وأن الإمارات تحت المجهر الإعلامي العالمي، والحكمة تقتضي الإدراك الواعي بأن الحديث عن التقدم والبناء والنمو يحتاج إلى عدم استسهال أي ملاحظة. الأمر ليس نقداً، لكن صورة الإمارات لابد أن تكون كما يعرفها الناس والعالم، وكما بناها شيوخنا الكرام وأرادوا لها أن تكون.