الروايات الست التي وصلت إلى القائمة القصيرة في مسابقة جائزة البوكر العربية في حفل توزيع الجوائز في أبوظبي الأسبوع الماضي استحقت موقعها في القائمة وبجدارة. وهذه الروايات هي: "ترمي بشرر" للسعودي عبده خال وقد فازت بالمرتبة الأولى، و"أميركا" للبناني ربيع جابر، و"السيدة من تل أبيب" للفلسطيني ربعي المدهون، و"يوم غائم في البر الغربي" للمصري محمد المنسي قنديل، و"عندما تشيخ الذئاب" للأردني جمال ناجي، و"وراء الفردوس" للمصرية منصورة عز الدين. وبعيداً عن التنوع الثري في الموضوعات التي تطرحها هذه الأعمال، اشتغلت الأشكال الإبداعية التي قدمتها، والتجريبية المتصاعدة في السرد الروائي على المحافظة على المعايير الفنية الأدبية كأساس للنقد الروائي. ومراحل عمل جائزة البوكر العربية واستقلالية لجان التحكيم التي تعين كل سنة، وعدم التدخل من قبل المؤسسة الراعية، وهي "مؤسسة الإمارات"، قادت كلها إلى أن تصبح هذه الجائزة، وخلال ثلاث سنوات، هي الجائزة الأهم في مجال الرواية العربية. لقد قدمت الجائزة خدمة كبيرة في أكثر من مجال للعمل الإبداعي الروائي العربي. وفي المقام الأول ومن خلال آليات عملها وفتح المجال للأعمال المتنافسة تعمل الجائزة على الترويج لقوائم الروايات التي لها تميز وتفرد وتضعها تحت الضوء. ففي كل عام تتقدم للمسابقة حوالى 120 رواية تكون قد نُشرت في الفترة المخصصة، ويتم تقييمها من قبل لجنة التحكيم وانتقاء ما يطلق عليه "القائمة الطويلة" والتي تتضمن 16 رواية. ثم في مرحلة لاحقة يتم اختصار هذه القائمة الطويلة إلى "قائمة قصيرة" من ست روايات فقط، ومنها يتم ترشيح وإعلان الرواية الفائزة بالجائزة الأولى. وبين الإعلان عن القائمة الطويلة ثم القائمة القصيرة وصولاً إلى الرواية الفائزة هناك عدة أشهر بما يتيح تغطيات إعلامية واسعة ونقاشات وسجالات تتواصل عدة شهور. وهذه الفترات الزمنية مقصود تباعدها بين الإعلان والآخر حتى توفر كل ذلك النقاش الذي ينتهي في نهاية الأمر إلى تقديم قائمة بأسماء الروايات الأهم في كل عام للقراء. وكثير من متابعي الروايات أصبحوا يعتمدون القوائم الطويلة والقصيرة في قراءاتهم السنوية، بل وينتظرونها. وإضافة للتعريف والترويج السنوي والدائم يؤدي التنافس بين الروايات إلى ترقية الصنعة الإبداعية والفنية في الأعمال الروائية المقدمة. ففي كل عام هناك زيادة في الغنى والتنوع والمغامرة التجريبية في الروايات المُتنافسة، وهذا يعزز من قيمة وعمق هذا اللون الإبداعي الكتابي الذي يمكن القول إنه الأكثر شعبية في العالم. وعلينا أن نقول إن فن الرواية بشكله الحالي دخل حديثاً إلى الأدب العربي، ويؤرخ له عادة برواية "زينب" لحسين هيكل عام 1914، أي بعد مرور قرنين إلى ثلاثة قرون من نشوء هذا الفن في الغرب. ويمكن بطبيعة الحال القول إن بعض الآداب العربية الكلاسيكية تقع قريباً من فن الرواية مثل "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة" و"مقامات الحريري"، وهذا سجال ليس هنا مكانه. ولكن القصد المُراد الإشارة إليه في هذه السطور هو أن تسارع الاهتمام بفن الرواية والتبحُّر في الأشكال الإبداعية الخاصة بها وضع في السنوات الأخيرة كثيراً من الروايات العربية في مصاف الأعمال الإبداعية المشهورة عالمياً والمترجمة إلى عشرات اللغات، مثل رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني. والترجمة نفسها هي إحدى الفضائل الأخرى التي توفرها جوائز الرواية ومنها جائزة البوكر الحديثة. فهناك عدد مهم من الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة في السنتين الماضيتين تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات الغربية أو الشرقية، هذا فضلا عن الرواية الرئيسية التي تفوز بالمرتبة الأولى والتي يتسابق على الحصول على حقوق نشرها في بعض اللغات الأخرى ناشرون ووكلاء نشر عالميون (مثل "واحة الغروب" لبهاء الطاهر في الدورة الأولى للجائزة، و"عزازيل" ليوسف زيدان في الدورة الثانية، و"ترمي بشرر" لعبده خال في هذه الدورة). بيد أن "جائزة البوكر" وكما هو حال أية جائزة تشتغل بالعمل الإبداعي تواجه دوماً نقداً يُسائل معايير التقييم ولماذا تم تقديم هذا العمل على ذاك. وهو سؤال يبدأ بالتوجه إلى جائزة نوبل للآداب ويصل إلى كل جائزة أدبية في العالم. فمعايير تقييم أي عمل إبداعي، شعري أو روائي، التي تتفق عليها أية لجنة تحكيم تظل تدور في مراحلها الأخيرة في دائرة التذوق الفردي الخاص بكل فرد من أفراد اللجنة. بمعنى أن جزءاً من التقييم والانحياز إلى الأعمال له علاقة بالذائقة الخاصة، وهو أمر لا مناص منه. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن عملاً متواضعاً أم شبه متواضع، يمكن أن يصل إلى القائمة القصيرة. كما أنه لا يعني عدم إمكانية التوافق على أسس ومعايير عامة مثل جدة الموضوع الذي تطرحه الرواية، وبراعة التناول، والجماليات الفنية فيه، واللغة الشيقة، والمغامرة التجريبية، والكثافة السردية، وغير ذلك كثير. ولكن غالباً ما تنطبق هذه المعايير على أكثر من عمل من الأعمال المُتنافسة وخاصة على تلك الروايات التي تصل إلى القائمة القصيرة. وهنا، في هذه الحالة، تبرز الصعوبة الحقيقية وتتدخل الذائقة الفردية الخاصة بكل عضو من أعضاء لجنة التحكيم. ولا يبدو أن ثمة حلاً لهذه المعضلة سوى محاولة المحافظة على مستوى رفيع وعالٍ من لجان التحكيم، بغية تقليل المعايير الذائقية غير الموضوعية للحد الأدنى. ولكن هذا يستتبع طرح مشكلة أخرى متعلقة بتكوين لجان التحكيم. فاعتماداً على الخبرات المختلفة في دول العالم في هذا المجال هناك توجه شبه مُتوافق عليه وهو ألا يتم حصر لجان تحكيم الأعمال الروائية في إطار نقاد الأدب فحسب. فالرواية أصبحت فناً شعبياً تحرص على متابعته شرائح أوسع بكثير من الدوائر الضيقة للنقاد الأدبيين. والقصد بهذا أن تكون هناك مساهمات في تقييم الروايات من قبل الجمهور العام، بحيث لا يبقى التقييم جامداً ومدرسياً ومحصوراً. ومع وجاهة هذا الطرح إلا أنه، كما تقول الروائية الأردنية عفاف البطاينة، لا ينطبق تماماً في الحالة العربية كما قد ينطبق في حالات الرواية الغربية مثلاً. وذلك لأن الذائقة العامة وتقاليد قراءة الرواية ما زالت في مراحل أولية في المنطقة العربية، ولم ترتفع بمجملها إلى درجة معقولة يمكن الاعتماد على بعض منها في تقييم الروايات مقارنة، مثلاً، بالحال عند القراء البريطانيين حيث جائزة البوكر الأم. وسيستمر هذا النقاش ويظل مفتوحاً وانفتاحه هذا فضيلة أخرى من فضائل الاهتمام بالرواية الذي تكرسه البوكر وسواها من الجوائز في المشهد الثقافي العربي.