بعد زيارة نائب وزيرة الخارجية الأميركية إلى دمشق وإعلانه قرار إدارته رفع معارضتها دخول سوريا إلى منظمة التجارة العالمية، وبعد إلغاء قرار حظر سفر الأميركيين المعمول به منذ سنوات لأسباب أمنية، وبعد القرار بتعيين سفير أميركي جديد في دمشق، وبعد انفتاح غربي وأوروبي لافت على سوريا وزيارة عدد كبير من المسؤولين الغربيين من دول مختلفة إلى دمشق، خرج المتحدث باسم الخارجية الأميركية "بي جي كرولي" ليقول: "يحتاج الأسد فقط أن ينظر حوله في المنطقة ليدرك أن سوريا تزداد تهميشاً"... تُرى أين التهميش في كل ما ذكرناه وهو من صنع الأميركيين؟ وعلى من يرد "كرولي"؟ أعلى مسؤولين سوريين يتحدثون عن دور سوريا اليوم أم على عدد من المسؤولين الأميركيين والغربيين، الذين يؤكدون أن دور سوريا محوري في قضايا المنطقة. ترى أي أميركا تصدّق؟ مع أي أميركا تتعامل في ظل هذا الكلام والممارسة في إدارة أوباما، الذي علّق عليها كثيرون آمالاً كبيرة لكنهم مصابون اليوم بخيبة؟ وفي السياق ذاته، يقول أحد المسؤولين العرب إن تبايناً وقع في الدوحة في مؤتمر "أميركا والإسلام" بين وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومساعدها جيفري فيلتمان في التعاطي مع موضوع مصر وأظهر تعامل السيدة كلينتون عن عدم خبرة ومعرفة بمواجهة الأمور الدبلوماسية الحساسة. الثابت الوحيد محاولة تمرير الأمور بأي طريقة عند العرب وعليهم من أجل إسرائيل. كل القضايا المطروحة يعيدها الأميركيون إلى أساسها. أي بحث حولها يجب أن ينطلق من ضمان أمن إسرائيل واستقرارها. هذا التزام "أخلاقي" وسياسي وأمني ومالي، وترجمة هذا الالتزام تتم عبر تغطية عمليات الاستيطان والتوسع وتهويد الأراضي الفلسطينية وعدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. وفي إسرائيل تناقضات بين القادة والمسؤولين حول كل الأمور. عملية السلام عموماً. التعاطي مع الفلسطينيين في الداخل وبالتحديد الوقف المؤقت للاستيطان. المفاوضات مع سوريا. حتى أن بعض الوسطاء الأساسيين والذين لعبوا أدواراً مهمة في متابعة عملية السلام والمفاوضات مع سوريا، قالوا للإسرائيليين: "لا نعرف مع أي إسرائيل نتحدث. إذا كنتم تريدون السلام والتفاوض، فليس هذا ما تقومون به أو تعبرون عنه". بمعنى آخر، كان الإسرائيليون يتحدثون عن عدم وجود الشريك الفلسطيني. الآن، دول نافذة في العالم تقول الكلام ذاته للإسرائيليين. لكن الثابت عند الأخيرين هو العداء للفلسطينيين وللعرب. وكل ما يقال عندهم في الداخل هو للاستهلاك السياسي في سياق التنافس على السلطة التي عندما يصلون إليها يتسابقون على مسألة واحدة: من يقمع الفلسطينيين أكثر؟ من يهجّر منهم أكثر؟ من يتصلب في وجههم أكثر؟ من يصادر أراضي أكثر؟ ولذلك نرى اليوم قرارات من الحكومة تسلم لمواطنين فلسطينيين مقدسيين تطلب إليهم هدم منازلهم على نفقتهم، وقرارات لآخرين تبلغهم بإخلاء منازلهم استعداداً لهدمها من قبل السلطات الإسرائيلية. المهم في كل الحالات أنه لن تبقى منازل للفلسطينيين. والأميركيون في هذا السياق تمنوا وقف هذه الأعمال اليوم للذهاب إلى مفاوضات غير مباشرة لأن الفلسطينيين لا يستطيعون الذهاب إلى مفاوضات مباشرة، بسبب الورطة التي أوقعهم فيها الأميركيون أنفسهم عندما قالوا لهم: "لا تذهبوا إلى المفاوضات إلا بعد تجميد عمليات الاستيطان"، وعندما رفض الإسرائيليون ذلك انقلب الأميركيون على موقفهم وعلى الفلسطينيين وقالوا لهم: "لم نتمكن من إقناع الإسرائيليين "! يقول مسؤولون عرب عائدون من أميركا: "ثمة ضياع وتناقض في المواقف والآراء. والضياع الأكبر هو ضياع أو تضييع الفرصة الأكبر التي بدت سانحة أمامنا وهي انتخاب أوباما على رأس الإدارة الأميركية والتي لا بد من الاستمرار في التعاطي معها ومساعدة الرجل ولكن تبدو الظروف والتعقيدات كبيرة، لأن الإسرائيليين استهلكوا هذه الفرصة لمصلحتهم والإدارة ضائعة بين العراق وأفغانستان وباكستان وفلسطين". ومن هذا المنطلق يمكن التطلع إلى الموقفين الفلسطيني والعربي، فبالنسبة إلى الموقف الفلسطيني لا تبدو الصورة مشجعة. إذ يمكن لأي طرف دولي أن يقول أيضاً: لا نعرف مع أي فلسطيني نتحدث. لا نعرف مع أي شرعية نتعامل. مع أي جهة ومركز قرار نتعامل. ليس ثمة تفاهم على الحد الأدنى، الانقسامات خطيرة والتجاذبات الإقليمية والدولية حولها كبيرة هي أيضاً! والأمر ذاته ينطبق على الواقع العربي: لم يعد ثمة لغة عربية. موقف عربي. حد أدنى من التفاهم. وهذا يعني أنه بالرغم من الوضعين الأميركي والإسرائيلي المشار إليهما فإن الحالتين الفلسطينية والعربية تساعدان الأميركيين والإسرائيليين، أو تغطي ما يقومون أو تحول على الأقل دون الاستفادة منهما. ولذلك تبقى الاندفاعة الإسرائيلية مستمرة وإن أوقفت عمليات هدم المنازل اليوم بأمر من نتنياهو، فإن ذلك يندرج في سياق محاولة امتصاص النقمة عليه وعلى الموساد بعد فضيحة اغتيال المبحوح في دبي، واستمرار تفاعلات الجريمة إدانة لإسرائيل، في أكثر من محفل دولي وعلى أكثر من مستوى. هنا تسعى أميركا إلى وقف العمليات مؤقتاً والدخول إلى مفاوضات غير مباشرة تعطى الإحاطة الإعلامية والسياسية لتغطي على الحرج الإسرائيلي. كل هذه المؤشرات تؤكد أن لا حلحلة في المنطقة، بل نحن ذاهبون نحو مزيد من التصعيد. والساحتان الأكثر تعرضاً للخطر هما لبنان وفلسطين في ظل قرع طبول الحرب وتهديدات المسؤولين الإسرائيليين للبنان. إسرائيل قادرة على إلحاق الأذى والتدمير بالبنى التحتية ولبنان بغنى عن ذلك بالتأكيد ولا يريد الحرب ولا مصلحة له في الحرب، وإسرائيل لا تحتاج مبرراً من اللبنانيين بل تعمل هي على خلق المبررات. وعلينا في الوقت ذاته إدارة معركة مواجهتها بالوسائل والأساليب التي تعزز الوحدة الوطنية من جهة والمناعة والقدرة على المواجهة من جهة أخرى.